من التلفاز ما يعلّم 

أَمسك حَكم مُسابقة الطهي بما أعدّه أحد المتسابقين و ألقاهُ في القمامة ،هكذا و ببساطة لأنََ ما تمَ إعداده لم يَرقَ لما يُريده ، وسطَ دهشة المتسابقين جميعاً ، بينما يقول الشيف أحياناً للمتسابقين سبب رمي ما تَعبوا في إنجازه مما يخُفف وطأة ذلك عليهم . 
سَنحت الفرصة لطاهٍ شاب أن يلَتحِقَ بدورة تدريبية مكثفة لدَى شيف متمرّس تَعب إلى أن وَصل لما هو عليه ، ألقى الشيف كلمته الصباحيّة لأفراد الفريق و بالغ في تحذيرهم لكي يقوموا بإنجاز أفضل خدمة لزبائنهم الأمر الذي جعلَ الشاب الهاوي يخُبره بجُرأة بأنه ما كان عليه أن يكونَ بذلك الحزم و أنَّ طريقته تِلك لم تكن جيّدة ، لاحقاً حَوّل أحد أفراد الفريق ذلك الشاب من رُتبة مُجهز مواد الطهي إلى رتبة أدنى و هي غَسل الصحون و تنظيف الأدوات المستخدمة في المطبخ .
سببت تِلك الحادثة إزعاجاً للطاهي الشاب الذي قرر في اليوم التالي الاعتذار من الشيف قائد الفريق ، تحدّث الشيف بكل هدوء مُخبراً المتُدرب بأنه يَشعر بالفخر لِيُعلّـمه كل ما لديه من خبرة و معرفة ، و أنَّ عليه أن يُركز في ما جاءَ من أجله و في إثبات مَوهبته .
في النهاية وَصل الشاب ليكون أحد المتدربين في المطعم رقم 11 على مستوى العالم ، و كان يكفيه فخراً بنظري أن تَزوره والدته و تقول : " لقد نَضج ابني و تغيّـر كثيراً " 

ما الذي جرى 
مُنذ نحو عام ، تعرضَت لضغوطات كثيرة بالنسبة لمبرمجة مبتدئةِ في العمل ، كُنت في تِلك الفترة أعمل مع أكثر من مُشرف، حتّى تكوّنت وُجهتا نظر بلغتا حد التضادّ الذي يجعل ممن يسمعهما يُشك في كونِ تلك الوجُهات تتحدث عن شخص واحد في النهاية هو أنا ! 
و هذا ما حَصل مع مُدير قسمنا كاملاً أنذاك ، حيث تم استدعائي في جَلسة كان أول ما قال المدير فيها أنّـه أحضرني هُنا لأن لديه وجهتي نظر لا يدري على أيهما سيقع اختياره و يُصدر حُكمه عليّ بناءً لها ، أعددتُ لهذه الجلسة لياليَ كثيرة و أنا أحاول أن أستجمع جرأتي و أسجّل كل ملاحظاتي على هاتفي لأقولها في الوقت المناسب ، و بدأت الحديث لأخبره بأنّـه ما كان يجب أن يتمَّ الحُكم عليّ من خلال تجربة أو اثنتين ، و أن طريقة الحُكم تِلك و اجتماع الضغوطات لم تَكن لتخرجَ منّي أفضل ما لدي .. ( نعم لقد كنت مثل الشاب الطاهي )
و انتهى الحديث وقتها بجملتين مقتضبتين من المدير بعد استماعه له طول فترة حديثي بلا انقطاع ليقول : " إنَّ دوري هُنا يقتصر على أن أتعلم و أشتغل (( فقط )) " و " أنّـه ليس لديّ الخبرة الكافية لِأَحكُمَ على طريقة حُكمهم على الأشخاص هُـنا " . 
خرجتُ مُقفلة الباب و آخذةً نفساً عميقاً يومها و أنا مفتخرة بأنني استطعت قولَ كل ما يدور في بالي ، و أنني حَصلت على فرصة جديدة لِحسم أمر وجهات النظر ذاك ، و كان انتصاراً مميزاً لي . 
و مما يُمكن قوله أنني و من فَترة قريبة علمتُ بأنَّ طريقة كلامي تِلك ، كادت لتودي بي لولا أن إنجازي في عملي و متابعتي حالت دونَ طردي الذي لا مَعنى له . 

أحسن مُبرمجة 
من حوالي ثلاثة أسابيع ، تسلّمت مُهمة جديدة للقيام بها وحدي ، و كانت تبدو سهلة و بسيطة ، ممّا جعلني حِينَ طُلب منيّ تحديد الوقت اللازم لها أقول بأنها ستحتاج على الأكثر يومين إلى ثلاثة لا غير . 
و مع الدخول في تفاصيل المهمة ، بدأت أجدها ممتلئِة بتفاصيل عديدة ، و ما إن أجدْ فكرةً لإحداها حتى أتنقل لفكرة أخرى لمطلوب ثانٍ فيها ، و بمِا أنني أَعلنتُ وقتَ تسليمها كان ينبغي أن ألتزمَ فيه ؛ مما جعلني أعمل إضافياً بل و أحضر العمل معي للمنزل . 
انتهيت من العمل في المدة المحددة و فِعلاً تم تسليم عملي للفريق التالي لتجربتها و التأكد منِها ، و كان ذلك انتصاراً جديداً لإنهاء المهمة في المدة المطلوبة تامة كاملة .. 
كانَ عليّ لاحقاً أن أجلس مع المبرمج الأعلى منّي مرتبةً للتحقق من طريقة الكتابة ،نظراً للعجَلة التي طرأت و ظروف تسليمها التي لم تسمح لتدخل أي شخص و فهم التفاصيل في الوقت نفسه قُمنا بعمل المراجعة على أن عملي الذي تمَّ تسليمه يعمل .. و لكن يمكنه أن يكون أفضل و أفضل .
و بدأنا العمل في غرفة منفردة جلسنا فيها لنعيد بناء الأشياء و نراجع ما رأيته و ما فَعلته ، لا أُنكر بأن تِلك الجلسة أكثر الجلسات التي تَجلعني في توتّر و ترّقب شديدين .. 
يَملؤني التوتر و الترقب ، لأي تغيير سَيحدث ، و أي حرف سوف يُزال ، و أي فِكرة تَعبتُ جداً من أجل تحقيقها و أراها تُهدم بسهولة كبيرة .. (( تماماً كما يحصل مع الطُهاة في برامج المسابقات و رَمي ما صعنوه و أكثر )) .
انتهينا بتحويل 200 سطر برمجي إلى نحو 100 تقريباً يومها ، و هو ما يعني التخلص من نصف العمل ، و نصفه ليسَ شيئاً يسيراً .
لِحُسن الحظ أنَّ الشخص الذي يُراجع ما أكتبه لا يَحذف الاشياء بنفسه كما يفعل الشيف ، بل يتركني لأقتنع و أفهم بأن الطريقة التي يقترحها أفضل من طريقتي و إن كانت طريقتي تعمل .
يُخبرني بأنه قد تعرّض لذات الموقف مرّات عديدة .. و لكن بلا تفسير من المسؤول عنه ، و يُذّكرني بأنني بذلك أحصل على خِبرات لن يحصل عليها غيري من أفراد فريقنا .. 
لا زِلت مُنزعجة ، ربما لأنني فكرّت بأن تغيير ما أفعله معناه أنني سيئة ! و أنني لن أتقدّم .. 
المفاجأة الكبرى كانت أن المهمة قد عادت إليّ من جديد ،، لتغييرات جديدة طُلبت فيها ، و تفاصيل لم يتمّ ذِكرها في المرة الأولى .. ! 
كانت تِلك أكثر اللحظات صَدمة لي ، للتوّ قُمت بإعادة كتابة ما أنجزته ، و الآن أنا مُضطرة للقيام بذلك من جديد لا من أجل تَحسينها و لكن من أجل إضافة تفاصيل أخرى
يومان آخران من أجل التفاصيل الجديدة ، و كدّ و بَحث و تنفيذ .. و ها نحنُ ذا .. لقد انتهيت مرةً أخرى :D 
و ها نحن نعود لمرحلة التدقيق تِلك ، لإُعيدَ كتابة إحدى التفاصيل الجديدة بالكامل بأُسلوبٍ مُغاير لما بَنيتهُ على الرغم من عَمله بِكفاءة ، في النهاية خرج العمل للنور ، و كأّنِهُ ثِقلٌ أرهقني ليسَ لِكثرةِ تفاصيله أو صُعوبته ، و لكن لأنني تعلّمت فيه أشياءَ عديدة 

حَيثُ لا كُرهَ لأي تغيير من جديد ، وَ مَزيداً من الصَّبر نُريد ، و يوماً ما سَنصلُ قِمّـة الجبل العتيد