أخطر ما فعلته أنظمة العار والطغيان العربية هي أنها جعلت من نفسها الخيار السيئ أمام الخيار الأسوء ,فككت الحياة السياسية التي تسمح بولادة أي تيار أو حزب سياسي ممكن أن يكون بديلاً عنها مستقبلاً

حتى إذا حانت اللحظة قيل إما هذا النظام أو الفوضى ,إما هذا النظام أو إيران ,وقس على ذلك !

وأضعفت الوعي العام بالحقوق والواجبات , وشوهت مفاهيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم , بين الدولة والمجتمع , بين الدين والسياسة فتحولت المجتمعات إلى حالة هشاشة تسمح بالإختراق والإدارة , فإن تحررت من رسن الحاكم - المصطلح للتوصيف لا للإهانة - تاهت ولم تع ما عليها فعله لأن الوضع الجديد لم تعايشه سابقاً ربما , وعلى هذا المستند تسمع كثيراً أن الشعوب غير مهيئة " للديمقراطية " والمقصود هنا هو حرية الشعوب في اختيار حاكمها لا بالمعاني الفلسفية المتشعبة .

وربما الأقوال السابقة صحيحة نسبياً لكن من يريد الإصلاح والتغيير عليه إزالة السبب الرئيسي للحال الطارئ في المجتمعات وهي الأنظمة السياسية أو بالأحرى العصابات الحاكمة .

مع الأخذ بالرأي القائل أن الأنظمة الفاسدة مرتبطة لحد كبير بالمجتمعات أيضاً وكلاهما انعكاس للآخر وعلاقتهما ربما يعبّر عنها مصطلح " الدور " الفلسفي الذي يوضحه القائل ببيت شعر يقول فيه :

مسألة الدور جرت ** بيني وبين من أُحب

لولا مشيبي ما جفا ** لولا جفاه لم أشب

يقول: إن حبيبه جفاه لشيبه وإن الشيب حصل أولاً ثم أعقبه الجفاء، ثم ناقض نفسه وقال: إن الشيب كان من جفاء الحبيب، أي أن الجفاء حصل أولاً ثم أعقبه المشيب، فيكون كلّ من الجفاء والشيب متقدماً ومتأخراً في آن واحد، وبالتالي يكون الشيء متقدما على نفسه

لا أتبنى القول بالكامل لكن لحد معين صحيح فولا وجود الخلل في المجتمع لما تمكنت تلك الأنظمة من الولادة أصلاً ولا السيطرة ولا الإستمرار .

هل الخلل في الشعوب التي أنتجت الأنظمة أم في الأنظمة التي انعكست سياستها على الشعوب ؟؟