في أثناء قراءتي وجدت هذا الكلام للكاهن ملمان يشرح فيه سبب إسلام الأعدادالغفيرة الكثيرة أيام الفتح الإسلامي يقول فيه:

(ملة تناقض ملّة، رجل دين يخاصم رجل دين آخر حول أعوص النقاط الفلسفية في العقيدة . أورثوذوكسيون ونساطرة، وأتباع (يوتيخ) القائلون بطبيعة المسيح الواحدة ويعاقبة وقد يضيف المرء ما يعرف باسم الكاثوليك الذين كانوا يقاتلون جميع هؤلاء يضطهد بعضهم بعضا بعداء لا ينتهى. ما كان أتعسه حالاً لو لم يتّجه الألوف، من تعبهم وحيرتهم، ليبحثوا عن مهرب من هذه الخلافات التي لا تنتهي ولا تلين فيجدوه في حميمه وحدانية الله البسيطة القريبة الى الفهم، ولو أنهم دفعوا الثمن اعترافا بدعوة النبوة المحمدية).

من تأمل هذا الكلام واستفاد من دروس التاريخ، سيجد أن ما يفعله أهل الكلام والعقائد من المسلمين ينطبق تمام الانطباق مع واقع المسلمين المر الآن، فكثرة الخلافات في أعوص المشاكل العقدية الفلسفية وحدتها، والحروب الطائفية الطاحنة بل والحروب بين الجيرة الآن والاسجداء بالغرب من كل طرف، عوضا عن تطاحن رجال الدين أنفسهم بسبب النفاق والأموال، يجعل المسلم ينفلت من دينه طبيعيا ورغم أنفه ليرى النور في الحضارة الغربية، التي توفر حدا لا بأس به من الكرامة والعقلانية البسيطة للإنسان لفهم واقعه ومعرفة دوره في الحياة.

ومن هنا أسيء الظن دوما، وأدعو لإساءة الظن بأهل العقائد من رافضة ومتمشعرة ومتأسلفة وغيرهم، فهؤلاء يدعون لباطنية فهمهم، فهم لا يدعون للقرآن والسنة الواضحة معالمها لكل إنسان يريد تصحيح عقيدته، فهؤلاء بالكلام ثم بالسيف يريدون تدمير الإسلام من داخله كما فعل إخوانهم الحمقى قبلُ من الأديان الأخرى.

ولا يعني كلامي هذا نبذ العلم والدراسة، وإنما يعني أن العقيدة تبنى على الكتاب والسنة ويحكم غيرهما بهما، وأن دعوة المتدين المسلم الحقيقي تكون دوماً دعوة للسلام والسماحة وقبول الآخر طالما لم يؤذ غيره، ونقاشه بالعلم إن خالف فيه، والانفتاح للعلم وتدبر القرآن، وليست دعوة لإبادة الآخر وإغلاق فمه وتضييق حريته.