أذكر في إحدى الدورات التي حضرتها أخبرتنا المدربة بأن نستبدل كلمة "مشكلة" بـ"خلاف"؛ وذلك لإن كلمة خلاف يصنفها عقلنا بأنها إيجابية على عكس المشكلة، فالمشكلة لطالما ارتبطت بأفكار ومواقف سلبية، عندما نتعرض لخلافٍ ما سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي فعقلنا سيحاول الهرب من الموقف ليتجاوز الشعور بالألم، والهروب من مواجهة المشكلة هو بحد ذاته مشكلة، لإنه ربما يوقعنا في دوامة كبيرة لانعرف كيفية التعامل معها ولا نعرف كيف ننقذ أنفسنا مما يؤول بنا إلى الغرق، وكي لاتستمر الخلافات علينا مواجهتها بكل شجاعة، فعند فعل ذلك ستُحل جميع خلافاتنا شيئاً فشيئاً، المواجهة ليست بالأمر الجلل كما يعتقده البعض، بل إنّ الاعتراف بمشكلاتك ومواجهتها يعتبر حل لنصف المشكلة، فإذا عُرف السبب بطُل العجب، فكر ملياً وبهدوء في أسباب وعوامل ظهور هذه المشكلة، ولماذا وصلت إلى هذه الحالة؟ بعد أن تجد السبب الرئيسي للمشكلة ابدأ بوضع حلول ووسائل لحل مشكلتك، وبكل طريقة تخطر على بالك فكر في إيجابيات وسلبيات الوسيلة التي ستستخدمها، واختر ماسيتبعه إيجابيات أكثر وسلبيات أقل، حتى تصل بالنهاية إلى حل منصف يتوافق مع عقلك وقلبك، وآمن بأنه كما لكل حل مشكلة فلكل مشكلة حل دوماً، بعض خلافاتنا تحتاج إلى الجلوس والتفكير بعناية، فمن الأفضل أن نتأنّى عند اتخاذ قراراتنا.
وعندما يصعب عليك حل الخلاف، يمكنك الاستعانة بشخصٍ حكيم يمكنه مساعدتك، فحبذا أن يكون ذلك الشخص لديه قدرات ومهارات عالية في حل المشكلات، ولديه خبرة ويستطيع إرشادك إلى الطريق الصحيح، ولابأس إن كان صديقك يحمل تلك المواصفات، ولا شيء أجمل من استعانة المرء بالله وتوكله عليه، فهو وحده يعلم ماتشعر وماتفكر به جيداً أكثر من أي شخصٍ آخر ، ثم إنّ الاستغفار من الحلول الجيدة التي سوف تساعدك، فعندما تكون قريباً من الله فإنه سيعينك ويلهمك بالوصول إلى حل، ومن القصص الرائعة في الاستغفار قصة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -، حيث كان يقول كنت في سفرٍ ولم أجد مكان لأنام فيه فذهبت للمسجد لأنام فيه، فجاء العامل الموجود هناك وطردني، فذهبت ونمت على باب المسجد، فعاد وجرني بعيد عن باب المسجد، فرحت أمشي حتى رأيت خباز يعد الخبز الذي سيبيعه في الصباح، فاستأذنته أن أبقى عنده، فوافق، يقول جلست أنظر إليه فوجدته كلما أدخل رغيف إلى الفرن قال: "أستغفر الله"حتى طلع الصباح فسألته، لماذا كنت تفعل ذلك؟ وما الذي عاد عليك من هذا الفعل؟ قال: لم أطلب شيء من الله عزّ وجل إلا وأعطاني إياه ماعدا شيء واحد، فقال له الإمام احمد ما هو هذا الطلب، قال: أتمنى أن أرى الإمام أحمد بن حنبل، فنظر إليه مبتسم، وقال له: ها هو الله عزّ وجل قد جرني إليك جر.
أود أن تعلم جيداً بأنه كلما واجهت مشكلتك بشكل أسرع وسارعت في حلها كلما أصبح باستطاعتك امتلاك زمامِ الأمور بشكلٍ أفضل، وهذا لايعني أبداً أن تتسرع في اتخاذ قرارك، بل حتى لايتسع نطاق المشكلة وتتفاقم، ولتحصل على راحة البال ضع الحلول لكل خلافاتك أولاً بأول ولاتتردد بما أنّ الذي ستقوم بفعله على صواب ويرضي الله، ونصيحتي إليك صديقي أن تتبع ماقاله حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، فكلما قلّ عدد الناس الذين يعرفون بمشكلتك كان الوصول إلى حل لها أسهل وأسرع، ثم اعلم بأنّ المؤمن القوي لاييأس من رحمة الله ويثق بـه أكثر من أي شيءٍ آخر، وعليك أن لاتجعل للشيطان مدخلاً لقلبك حتى لايدفعك إلى الهاوية، واعلم بأنْ الخطأ ليس عيباً مادمت لم تستمر بتكراره، وخلافاتك لاتدل على أنك شخص فاشل، فالفاشل هو الذي يستمر بلوم الآخرين على فشله، ولم يستطع النهوض من جديد حين سقط، أما الفائز فهو الذي يواصل المسير ويتعلم من أخطائه، ويعترف بها، وما أحلاها إذا رددت: "لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، فلو لم يعترف ذا النون بذنبه عندما كان يلبث في بطن الحوت لمَا أنجاهُ الله، ولبقي في بطن ذلك الحوت حتى يوم يُبعثون.