لم يكن يوما عاديا وحدثا عابرا، تعرض الحرس الثوري الإيراني الى هجوم مباغت، أثناء الإستعراض العسكري في مدينة الأهواز، خلف عددا كبيرا من الضحايا، حيث كان الحدث ضربة مباغتة لها تداعيات ورسائل كثيرة.

   عمل إرهابي أعلنت داعش عن تبنيه، ربما يكون متأخرا عن مجريات الأحداث التي حصلت في المنطقة والعالم، من معارك ضد هذا التنظيم في العراق وسوريا ومصر، وحوادث إرهابية شهدتها أغلب عواصم العالم، فلندن ومدريد وبرلين، وباريس وبروكسل وروما، شهدت حوادث إرهابية، ربما تكون أقسى مما حصل في إيران.

  أريد لهذا الحادث أن يبعث رسائل متعددة، فهو يحمل بعدا قوميا، نسبة الى محل الحادث ذو الغالبية العربية، وتوقيته الذي يصادف ذكرى الحرب العراقية – الإيرانية، وطائفيا من حيث الجهات التي نفذته، والتي تعودت أن تقوم بإعمالها الإرهابية، رافعة تلك الشعارات الطائفية والمذهبية، إضافة الى إيجاد حالة من عدم الثقة، داخل أهم مرتكزات المؤسسة العسكرية الإيرانية، وهو الحرس الثوري.

   كما حمل هذا الحادث رسائل سياسية على قدر من الأهمية، وهي بالتأكيد ليست خافية على الحكومة الإيرانية ولا الشعب الإيراني، الذي شاهد ما حدث في المنطقة بسبب الإرهاب، فقد أريد له أن يظهر هشاشة الداخل الإيراني ومقدرة العناصر الإرهابية وداعميها على الضرب تحت الحزام، وإيجاد فجوة بين الحكومة والشعب الإيراني تسهل فيما بعد إسقاط النظام، وأن من يريد نقل المعركة الى الداخل الإيراني، قادر على ذلك.

   من الطبيعي أن تتعرض إيران الى ضربات في عمقها الداخلي، كونها طرف رئيسي في الصراع الإقليمي الذي يدور في المنطقة، فإيران في مواجهة ساخنة مع أطراف عالمية وإقليمية، في سوريا والعراق واليمن ولبنان، إضافة الى أن برنامجها النووي سبب لها كثير من المشاكل مع دول مهمة في المنطقة، بعضها كان فرحا بما حدث في الأهواز، وبلا شك إن البعض كان داعما وممولا له، لان هذه العصابات لها إمتداد مع أطراف مهمة في المنطقة.

    نعرف جيدا أن إيران ولسنين طويلة كانت شرطي الخليج، فهي القوة الأبرز فيه، وهي ليست كالنظام الليبي السابق الذي هوى بضربة واحدة، وليست كنظام زين العابدين أو حسني مبارك، بل ليست كالمملكة العربية السعودية، التي تعرضت الى إنتكاسات كبيرة في صراعها مع إيران في سوريا ولبنان والعراق، وكانت مجريات الأحداث دائما في صالح إيران، بعد أن أنفقت السعودية مئات المليارات، وما يحدث في اليمن خير مثال على ذلك.

  الحادث قد مر والرسائل جميعها قد وصلت، والكل ينتظر ردة الفعل الإيرانية، التي بالتأكيد لن تتأخر فهكذا عودتنا إيران، لكنها بالتأكيد لن تستعجل ولن تخطو خطوة تعرضها الى عقوبات دولية، كا حصل مع نظام صدام، بل إنها تعمل بشعار ( العقل مقابل القوة )، العقل الذي سيجعلها تختار المكان والتوقيت الذي يناسبها، ليس كما يريد أعدائها، وخير شاهد على ذلك ردها المباغت على حرق قنصليتها في البصرة، حيث جاء الرد الإيراني بضربة صاروخية دقيقة لمواقع الحزب الكردستاني الإيراني في شمال العراق.

   ما لم يتم الجلوس الى طاولة الحوار بين بين دول المنطقة، وإيجاد سبل التفاهم المشترك بينها، وتخلصها من تبعيتها الى المحاور الدولية، والبحث عن مصالح شعوبها وعدم التدخل في شؤون الآخرين، سيبقى الصراع قائما والنار مستعرة والشعوب البريئة هي الضحية.