لم يبق من الزمن سوى ساعة و تقلع الطائرة , يا ترى ما الذي يستوجب علي فعله قبل المغادرة.. ودعت أغلى الناس ,عائلتي, أصدقائي بعض أساتذتي .. اما ملابسي ,كتبي و حاسوبي فكل منهم في حقيبة , حسنا ,يبدو أن الأمور تمشي على ما يرام .. الوجهة مطار محمد الخامس.
مهلا, الهاتف غير مشحون , لا بأس سأشحنه هناك .. بعد دقائق معدودات..الطائرة القادمة من قرطاج والمتجهة الى فنيس ستدخل المطار بعد قليل .. دعني اخذ اخر سيلفي في بلدي وأضعه في صفحتي معلقا ساشتاق لك يا وطني , ستبقى دائما في قلبي طبعا و ليس عقلي لأنك لم تكن يوما هناك.
بعد دقائق معدودات.. دعنا نرصد فيديو او اثنين ما دمنا فوق السحاب , فذاك كان حلم الصغر ولنرمي به في انستغرام ستوري مع قلبين أحمرين -لا تتعجب فهناك قلوب سوداء- .
بعد دقائق معدودات .. و اخيرا وصلنا, في انتظار الميترو , يجلس بجانبي عجوز و زوجته والساعة تشير الى الخامسة على بعد 10 دقائق من وصوله … بعد دقائق معدودات .. ما هذا 5:30 ولم يأت بعد ما بال هذين العجوزين لا يحركان ساكنا و الصمت يلطم فمهما , ما بال الناس هنا منغمسين في القراءة و بعيدين كل البعد عن التذمر .. ما هذا العالم الغريب ..
وما ان وطئت قدماي تلك الأرض حتى تذكرت اني لم اصل بعد صلاة المغرب, فسألت أحد المارة عن مكان تواجد المسجد, أجابني : لا اعلم اخي -بابتسامة خفيفة- استكملت طريقي بعدها, سألت اخرا أجابني : الزنقة الاولى لا الزنقة الثانية لا الزنقة الثالثة الى اليمين ومن ثمة الى اليسار ستجده امامك -تذكرت أحبابنا في الرباط-.
حقيقة لم أكن أنتظر ذاك العدد الذي حج الى المسجد.. و بعد ان استكملت صلاتي ارهقت قليلا, فاتجهت صوب احدى أشهر مقاهي المدينة تدعى فلوريان.
و بين أخذي لقسط من الراحة و شعور جامح انتابني في النوم, أثار حفيظتي نقاش دار بين طالبين في مقتبل العمر -يجلسان على يميني- حول استحقاق الثنائي طاكاكي كاجيطا و ارثور ماكدونالد لجائزة نوبل في الفيزياء علما أنهما أثبثا أن النونترينو ذا كتلة اعتمادا على تذبذباته..
أدرت وجهي على اليسار لأجد نقاشا اخرا محتدا بين اربعينيين حول الأزوري و مشاكله والتغييرات الايجابية الواجب اتخادها ..
تذكرت بعدها أن في وطني المقاهي هي المنفذ الأول للنميمة و شتى انواع <<التبركيك>> حتى أن البعض يعتبرها سنة مؤكدة بعد الوظيفة !
قد يظن البعض أني أبالغ في الوصف و لكن كما يقول المثل المغربي “ما يحس بالمزود غي لي مضروب بيه”.
و كما الأشخاص أرى أن أي مدينة لها ما لها و عليها ما عليها و حرم الجمال فيها يختلف الشعور بها من فرد الى اخر..
ورغم أن جزءا كبيرا من تعاستنا في بوعرفة مثلا يعود لقبح المدينة و للأمانة شئنا و أبينا أن تكون كذلك , الا أن المدن المعقمة بشكل مبالغ فيه كفنيس لا تروق لشخص مثلي, غياب تام للباعة المتجولين على متن التريبورتورات, غياب تام لبعض الأغذية التي أحبها كالفاصولياء, الترفاس و الهندية..بالاضافة لانعدام <<المدابزات>> الشيء الذي كان يضفي على بوعرفة جوا خاليا من الملل و شبيها بالأفلام الهوليودية خصوصا بين الساعتين الرابعة و السادسة مساءا..
و ختاما كما يقول الشاعر “بلادي وان جارت علي عزيزة وأهلي وان ظنوا بي كرام” و لا يعلم قيمة البلد الا المتغرب عنه.