هل سقف توقعاتنا مرتفع من طلابنا وطالباتنا؟
أحبّ أن أعيش ذلك التحليق في سماء طالباتي
حيرةٌ معتادة.. تصيب أستاذ الجامعة مطلع الفصل الدراسي تجاه سؤال: ما النشاط الذي سأكلّف به الطلبة؟
أصابتني هذه الحيرة.. وظللت لأيام أفكر..
أميل إلى التنويع عادة.. وأن أراعي الذكاءات والرغبات.. أن أحكّ المواهب و الممتلكات لتتفتق برفق فيعمُق الأثر.
حدثتُ نفسي.. طالما أن المنهج عن الأخلاق.. فالأولى أن يصبّ النشاط في هذا الموضوع الجميل
ما نوع النشاط إذن؟ أحبّه أن يكون عمليّا هذه المرة.. لم أفضل أن يكون النشاط -كما اعتادت الطالبات – موجهًا من طالبات الشعبة لطالبات الجامعة.
أريد شيئا أعمق!
فَضلتُ أن نتوجه لفئة أخرى.. اخترتُ أن تكون هي ( الأطفال في الدائرة الأقرب للطالبة -حيث أن الأقرب أولى بالمعروف-)
رؤيتي.. أن غرس القيم الأخلاقية في الأطفال هو الأبقى أثرًا..
فقسمتُ الطالبات مجموعات، طلبتُ من كل مجموعة الآتي:
١- تختار الطالبات خلقًا واحدًا بعد تحديد الفئة العمرية المتوفرة حولهنّ.
٢- تتوجه إلى المكتبات لاختيار قصة أطفال تخدم هذا الخلق – على أن تكون مكتوبة بشكل احترافي من ناحية مناسبتها للعمر وأسلوب كتابتها وطريقة إخراجها- ويتم شراؤها.
( يمكن تبديل خطوة ٢ بخطوة ١ إن أرادوا)
٣- تروي كل طالبة القصة للأطفال في محيطها، على أن لا يقل عدد الأطفال في المجموعة الواحدة عن ٢٠ طفلاً.
٤- توثّق لي كل طالبة تجربتها وتسلّم الصور والمواد للقائدة لتسليمها في التقرير النهائي.
حددتُ الأدوار داخل المجموعة وأعلنتها على blackbord:
• القيادة.
• توعية الفريق بالخلق عن طريق أي أسلوب تختاره صاحبة المهمة مثلا: تسجيل أو مقطع من ٥ دقائق عن أهمية هذا الخلق “حتى لا نأمر الناس بالبرّ وننسى أنفسنا”.
• اختيار وشراء القصة.
• توفير ما يدعم الخلق ك ( نشيد – لعبة – مقطع كرتوني- صورة- رسمة- ورقة عمل)
• رواية القصة للأطفال في جو مميز محبب.
• عرض التجربة في القاعة.
قلت لهنّ : أطلقنّ إبداعكنّ..
حددتُ للطالبات موعدًا للاستلام ..
جاء اليوم الشيق يوم العرض ..
في مدرّج (8) من مبنى (3) انهالت التجارب الماتعة على قلبي كشلال بارد
وقفت طالبة من كل مجموعة تروي تفاصيل تجربتهن وتعرض صوراً ومقاطع فيديو وأصوات لأطفال ينصتون باهتمام للقصة وأمامهم معلمة من عائلتهم هي طالبتي الجميلة
كل مجموعة تحدثت عن خلقٍ ما وبررت اختياره، وحكت لنا الطالبات كيف أنصت لهنّ الأطفال وتفاعلوا، كيف شاغب بعضهم، كيف تجاوب بعض الأطفال بعد التجربة بأيام، وكيف روى الأطفال قصصًا من مواقفهم عن هذا الخلق..
تحدثتْ بعض طالباتي عن أثر هذه التجربة في نفسها وما تعلمته!
التجارب المميزة شجعتني على إقامة ورشة عمل عامة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالفيصلية تحت مظلة وحدة الأنشطة سميناها( كيف نغرس قيما في الصغار؟) كانت يوم الخميس ١٢ ربيع الأول شاركت طالبات المادة فيها بالحديث عن أهمية القيم في مرحلة الطفولة، وسائل غرس القيم، معوقات غرس القيم، ثمّ الجزء الأجمل في الورشة.. تجاربهنّ.
نصنع دمى؟
أحبت ” منار السلمي- تقنية المعلومات” أن تشارك فريقها في غرس خلق الصدق فصنعت لهم دمى جميلة لشخصيات القصة.. تفانت “منار” فلم تكتف بصنع نسخة واحدة من الدمى بل قامت بعمل دمى لشخصيات القصة لكل واحدة من الفريق.. كانت تجربة جميلة حاولت الطالبات فيها دمج الوسائل الممكنة.
بيت اليهودي المؤذي
اختار فريق ” أميرة قوقندي -شريعة ” أن يغرسوا قيمة التسامح من خلال قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهودي، أحضروا مجسمين كبيرين من الفلين الذي تم تلوينه بذوق رفيع بدرجات البني والطوبي.. الأول كان فيه بيتان وطريق نحو المسجد ونخل، و الثاني كان يرمز لبيت اليهودي من الداخل فراشه وتفاصيله..
المجسم حلّق بالأطفال نحو المعنى.. شُدت عيونهم وأذهانهم مع القصة وتفاصيلها.. ولاشك أن بذرةً اسمها التسامح انّدست عميقًا في نفوسهم.
صبر برائحة الشوكولاتة!
أما فريق “مشاعل الغانمي- تقنية المعلومات” فقد اختار خلق الصبر، واختاروا له قصة جميلة اسمها ( كن صبورًا يا مونتي) تحكي حكاية دبّ صغير صنعت له أمه كعكة شوكولاتة فلم يصبر وتناولها قبل أن تنضج فأصيب بمغص في بطنه..
الجميل أن الفريق بعدما قصّ القصة للأطفال قرروا أن يدخلوا معهم المطبخ ويقوموا بصنع كعكة شوكولاتة ويراقبوها بـ صبر!
وتساءلت وأنا أستمع لهذه التجربة الشهية:
إذا كانت الروائح يا مشاعل تختزل الكثير مما حملته اللحظة هل سيصبح للصبر رائحة الشوكولاتة عند أطفالكم؟
مائدة التعاون
أحبت ” أثير الجهني- أحياء” أن تؤجل قراءة القصة للأطفال حتى تقوم بتجربة ما تختبر فيها المعنى وتثيره في نفس الطفلة الصغيرة (أختها)
طلبت ذات مساء من أختها أن تقوم برفع مائدة الطعام وحدها..
نفذت ذلك أختها
وفي يوم القصة..( قصة التعاون ) طلبت أثير من أختها وبنات خالاتها أن يقوموا برفع المائدة معاً
انتهت المهمة بسرعة
وصل المعنى لأختها الصغيرة وقارنت لهم بين رفع المائدة في المرتين
لاشكّ أنه التعاون!
كتاب ضخم للعيون الصغيرة
لما لم تجد “فايزة باظريس- كيمياء حيوية” وزميلاتها في محيطهم العدد المطلوب من الأطفال توجهوا إلى “مركز الطفولة” داخل الجامعة وطلبوا منهم إتاحة فرصة مقابلة الأطفال.. في اليوم المحدد أخذوا معهم القصة لكن ليس بشكلها المعتاد بل كانت مصنوعة في كتاب ضخم جذاب مصنوع من الفوم والأوراق الملونة يحُمل بالذراعين وكلما فتحنا صفحة منه برزت وارتفعت رسوم و أشكال من داخل الصفحة.. كانت القصة عن الأمانة وبعد الانتهاء منها طلبت الطالبات من معلمة الأطفال الخروج من الفصل وأن يظل الأطفال وحدهم فيه وقد رُصت أمامهم الهدايا.. راقب فريق العمل من خلف الباب الأطفال لمدة خمس دقائق.. فنجحوا في الاختبار لم تمتد يد واحدة نحو الهدايا!
إنها الأمانة التي ستنمو يوما في هذه القلوب الصغيرة!
أكواب النعناع
“عليّة التركي- علم الاجتماع” اختارت أن تتوجه إلى دار لتحفيظ القرآن ورتبت معهم موعدًا، ولما حضرت وجدت أن الفصل مزدحم والأعمار متفاوتة وإلقاء القصة على مجموعة كهذه أمر لا يؤدي هدفها، فطلبت منهم أن تختار هي بنفسها مجموعة من الفصل ، >أعجبتني هذه المرونة والحلول الواعية من “عليّة”!
وأما ما زاد تجربة “عليّة” جمالًا هو أنها استخدمت محفزًا مبدعًا في تحفيز الأطفال وهي أنها وعدت من يُنصت للقصة بأن يشرب من النعناع الذي أحضرته معها! وكم تحمس الأطفال لهذه الجائزة! فاستمعوا وتفاعلوا..
مدهش كيف وجدت “عليّة” تحفيزا كهذا يهدئ الأطفال ولا يزيد من فرط نشاطهم كما أنه يشعرهم بأنهم كبار يشربون مشروبات الكبار الفخمة!
في طابور الصباح؟
أدهشتنا الطالبة ” نور النهدي- تقنية المعلومات” بما فعلت.. أصرت نور أن تصل إلى عدد كبير من الأطفال ولم يكن هذا متوفر في دائرتها المحيطة.. فتوجهت إلى روضات الأطفال وطلبت من الإدارات أن يسمحوا لها بدقائق مع الأطفال تحكي لهم قصة لطيفة.. لم يكن الأمر سهلًا على نور لكنها بعزيمتها استطاعت أن تقابل ١٤١ طفلاّ حتى أنها حكت القصة لأطفال في أثناء الطابور الصباحي لما رفضت مدرستهم أن تعطيها دقائق من اليوم الدراسي
فازت “نور النهدي” بجائزة أعلنتُ عنها على blackbord للفريق الذي يحصد أكبر عدد من الأطفال قمت بتسليمها لها في الورشة
تجربتي في هذا النشاط كانت رائعة مع طالبات رائعات كان من آثارها أن
سعادة كبيرة ملأت قلبي وأنا أرى التربة تتحرك في غرس الأخلاق بيد طالباتي
كما اكتشفت طالباتي مساراً جديداً في علاقاتهم بأطفال عائلتهم.. أخبرني البعض بأن هذه هي المرة الأولى التي يقمن فيها بالحكاية للأطفال.. أخبرتني إحداهن بأن الأطفال صاروا يطلبون منها قصة كل ما رأوها.
اللهم بارك غرسنا..