Image title

[أجرت هذا الحوار مع نعوم تشومسكي ماريا لويزا مندونكا بمكتبه ، في الثاني عشر من مارس عام 1999م ، ونشرته في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 2007م ]
نص الحوار الأصلي : هنا

ترجمة : وائل منصور - الغازي محمد.
(ملاحظة: هذه الترجمة ترجمة تطوعية غير احترافية)

- كيف ترى مشكلة ديون الخارجية للعالم الثالث وآلية عملها التي تجعل هذه البلدان تزيد في اعتمادها على المؤسسات المالية الدولية؟

= مما يجب توضيحه هنا أولًا : أن الديون ليست مشكلة اقتصادية من الدرجة الأولى ، الديون بالأساس مشكلة سياسة وبناءٌ أيديولوجي.
لنفترض أنّي اقترضت منكِ مالًا ، ولاحقًا قمت بإيداعه في البنك أو شراء سيارة به ، وعندما أتيتِ لتطالبيني به ، قلت : "عفوًا ، ليس لدي ما يكفي من المال ، تحمّليه بدلًا عنّي" ليست هكذا تسير الأمور! ، إذا قمت باقتراضه ، فيجب عليّ دفعه!

لنأخذ دين البرازيل مثالاً : من الذي قام بإقتراضه؟ لم يكونوا الفلاحين ، ولم يكونوا الطبقة العاملة. في الواقع لم تكن الغالبية العظمى من سكان البرازيل تدرى أي شيء عن الدين، لكنهم طلب منهم تحمل أعبائه ودفعها!.
هذا يشبه مطالبتك أنت بالدفع إذا قمت أنا بصرف أموالي في مكان آخر ولم أستطع ردها.

إذا كنت تؤمن بالمبادئ الرأسمالية: فإنه مهما بلغ حجم الدين فلا يجب أن يتحمّل أعبائه إلا الذين اقترضوه بالفعل ، والذين هم في حالتنا هذه مجموعة من الديكتاتورين العسكريين وفاحشي الثراء من ملّاك الأراضي.
في حالة البرازيل كان الأمر أشبه بشكل ما بحركة هروب لرؤوس الأموال ، لذا إذا كنت تريد أن تدفع ديونك ، هناك حلّ سهل وسريع : استعد رؤوس الأموال!

ومما يجب توضيحه أيضًا هو إجابة السؤال التالي: هل يتعيّن على البلدان المقترضة جميعًا أن تردّ الدّين؟، إن المفهوم القانوني "للديّن غير المرغوب" ، والمضمّن في القانون الدولي ينصّ على أنه لا يلزم عن كل قرض تحمّل تبعاته أو مدفوعاته ، فعندما قامت الولايات المتحدة "بتحرير كوبا" في عام 1898 –مما كان يعني بالضرورة منع كوبا من تحرير نفسها – قامت بإلغاء ديون كوبا المستحقّة لأسبانيا ، لأنه كان ينطبق عليها توصيف "الدين غير المرغوب" ، إذ أن "كوابا" اقترضت رغم عنها ، بفعل علاقات التبعية والسلطة التي كان خاضعة لها مع الإسبان و بالتالي فليس لهذه الديون أي سند قانوني.

هناك حالات أخرى قد ظهرت في الواقع للتحكيم الدولي. بعد حوالي عشرين عاما، رفضت كوستاريكا دفع ديون مستحقة عليها للبنك الكندي الملكي ، لأنها بالنسبة لها ديّن غير عادل ، حينها أصدر "ويليام هوارد تافت"، رئيس قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة و الرئيس السابق لها، ضد إنجلترا - و بالتالي السلطة الكندية المسؤولة - لصالح كوستاريكا على أساس أن الدين كان مفروضا على كوستاريكا بفعل القهر وبلا تعادل في القوى ، وبالتالي ليس لها أي سند قانوني.

لو قمنا بمدّ الخط على استقامته هنا سيظهر لنا أن هناك القليل جدًا من ديون العالم الثالث مستحقة بالفعل للسداد. لذا فإن "كارين ليسيكرز"، الاقتصادية التي تمثّل الولايات المتحدة الأمريكية لدى صندوق النقد الدولي حاليًا ، أشارت قبل عدة سنوات إلى أنه "إذا طبقت مبادئ واشنطن اليوم، فمن شأنها أن تمحو جزءًا كبيرًا من مديونية العالم الثالث" ، لأنها كانت بالقهر والإجبار بالقوة في ظروف من التبعية وانعدام الإرادة للدول المقترضة.
ما يبدو لي هنا هو أنه لا يجب أن يحمّل الدّين على غالبية السكّان ولا يجب أن يدفعوا مقابله ، لأنهم في الحقيقة لم يكن لهم علاقة باقتراضه ، ولا حتى استفادوا من عوائده ، بل ربما كان هذا الدّين سببًا في الإضرار بهم ، لذا : لماذا يجب أن يدفعوا هم في المقابل؟ ، إن كان هناك من يجب أن يدفع ، فهم الذين اقترضوا الأموال ، وليس عامة الناس!

ثم إن لنا بعدها أن نتسائل إذا ما كان "الدّين" يعني شيئًا من الأساس ، لأن الفكرة المركزية لمسألة الدين هذه أنه مفهوم أيدولوجي ينبني على علاقات القوّة
ببساطة لا يمكنك تجاهل علاقات القوة هكذا بينما هي موجودة وتتحكم في العالم ، لأنه إن كان هناك شخص ما يقف وهو مصوّب سلاحه نحوّك ، فأنت مضطر إلى التعامل مع هذه الحالة ، لا يمكنك حينها أن ترفض الاستدانة منه.
في ظل علاقات القوّة السائدة اليوم ، ليس هناك من خيار سوى أن تدفع ديونك غير الشرعية ، والتي هي في واقع الأمر ليست ديونًا ، بل هي سرقة بالإكراه ، لكنّك مجبر على قبول السرقة في بعض الأحيان ، وهذا بالظبط ما حدث مع بلدان العالم الثالث!
الطريقة الصحيحة هي محاسبة الدول المقرضة ، فهي التي يجب أن تعترف أنه لا يوجد ديّن ، وهي التي تملك أن ترفع سلاحها عن الدول المقترضة.

هناك أيضًا مشكلة أخرى تقودنا إليها مسألة الدّيون ، وهي طبيعة الطبقة الغنيّة في بلدان أمريكا اللاتينية ، فمنذ عصر الاستعمار كان هؤلاء الأغنياء لا يدفعون ضرائبهم وليس لديهم أي مسئوليات تجاه مجتمعاتهم ، وهو ما يختلف كليًّا عن طبيعة الطبقة الغنية في شرق آسيا ، فبينما كان أغنياء أمريكا اللاتينية يستوردون سلع رفاهية لا تساهم إلا في متعة الأغنياء كانت أغلب واردات بلدان شرق آسيا خلال الأربعين سنة الماضية عبارة عن سلع رأسمالية تساهم في البنية التحتية الاقتصادية.
وبينما كان متاحًا دائمًا وفي كل وقت لأغنياء أمريكا اللاتينية الهروب برؤوس أموالهم إلى أي مكان ، كان محظورًا على أغنياء شرق آسيا مثل هذا ، وبينما كان الأغنياء في أمريكا اللاتينية بلا مسئوليات في تنمية مجتمعاتهم ، كان العكس من ذلك في شرق آسيا. 

بالإضافة إلى طبيعة الطبقة الغنية ، هناك أيضًا مشكلة متعلّقة بطبيعة العلاقات بين بلدان أمريكا اللاتينية منذ عصر الاستعمار ، إذ أن كل بلد كانت تتبع مركزًا أوروبيًا ما ، كانجلترا وأسبانيا ، لكن بينها وبين جاراتها لا توجد علاقة قوية ، بل وداخل الدولة نفسها في حال كانت كبيرة بما يكفي كالبرازيل لم تكن العلاقات وطيدة أو قوية ، وهذا أدى إلى علاقة تبعية اقتصادية وثقافية للقوى الإمبريالية المختلفة لبلدان مختلفة داخل القارة ، وهو ما لم تنجح في التخلص منه إلى الآن ، لأنه إذا أمكنها التخلّص منه ، فسوف ترفض دفع الدّين ، تمامًا كما فعلت الولايات المتحدّة عندما حررت كوبا من أسبانيا.

- لكن الدول اليوم لا تدين بأموالٍ لبلد معين. فالدين يتم التحكم فيه بشكل كبير من قبل المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي.

= هذا صحيح ، لكن هناك سرقة خفية تحدث هنا ، صندوق النقد في حقيقة الأمر هو وسيلة لضمان أموال المستثمرين من خلال تحويل خطر عدم السداد على دافعي الضرائب بالبلدان الغنية ، وهذه سرقة مضاعفة ، فالبلدان المدينة تُسرق باسم برامج التقشف ، و دافعوا الضرائب في البلدان الغنية يسرقون أيضًا ، صحيح أن هذا لا يؤثر عليهم كثيرًا كونهم أغنياء ، لكنها لا زالت سرقة!
ما يفعله صندوق النقد ، هو أشبه باشتراكية يتحمل الجميع فيها الخطر ، بينما يجني الأغنياء المكاسب. 

تلك المسألة في غاية الأهمية. يستثمر الناس في دول العالم الثالث لأن العوائد مرتفعة للغاية. الأسواق تعمل بالطريقة الآتية : كلما كان الخطر أكبر ، كلما كان الربح المتوقع أكبر وهذه هي طريقة عمل الاستثمار الخاص ، لكن هنا الأمر مختلف لأنه في الحقيقة خالٍ من المخاطر بنسبة كبيرة جدًا ، لأن المؤسسات المالية الدولية بتعميمها للخطر على مستوى اجتماعي ، تجعل أولئك الذين لم يقترضوا شيئًا يدفعون ، بينما لا يتحمل المستثمرون في هذه الديون شيئًا ذا بال ، لأن هذا التعميم يقف ورائه مؤسسة تحارب عن حقوق أصحاب الأموال وتنتزعها من عموم الناس عنوة ، كمّا عبرّت عنها ليسيكرز the IMF acting as "the credit community's enforcer,"

- هل لهذا إذًا عواقب على الديمقراطية؟ 

= خلال العشرين سنة الماضية، احتكر الرأسمال السلطة ، لذا فإن البنوك والمستثمرين والمضاربين والمؤسسات المالية هي من تضع السياسات . تحرير حركة رأس المال انشأ ما يمكن وصفه اقتصاديًا بـ "مجلس الشيوخ الافتراضي": إذا لم يحب المستثمرون ما تفعله بلدة ما ، يمكنهم سحب أموالهم ، وهذا التأثير الذي يملكونه يجعل الحكومات تحدد سياساتها وفقًا لهذا المجلس الافتراضي ، وهذه بالظبط هي مشكلة تحرير رؤوس الأموال.

لا يوجد شيء جديد بشأن هذا الأمر. عندما أنشئ نظام بريتون وودز - النظام المالي الدولي - في منتصف الأربعينات، كان جزءًا أساسيًا منه هو تنظيم التدفقات المالية للحفاظ على العملات الرئيسية في نطاق ثابت قريب من بعضها البعض بحيث لا يكون هناك خسارة في قيم العملات. كما تم تنظيم حركة رأس المال ووضع قيود عليها ، وبالطبع كان لهذا أسبابه الوجيهة،

كان من المفهوم أن تحرير تدفقات رأس المال يضر بالاقتصاد. منذ أن بدأ تحرير رأس المال قبل نحو 25 سنة، انحدر الاقتصاد الدولي كله بشكل خطير. الحجّة الأهم والتي تم التعبير عنها بوضوح في بريتون وودز، أنه إذا سمحت بالتدفق الحر لرأس المال، فإنك تقوض "الديمقراطية" و"دولة الرفاه". إذا كانت الحكومة "غير عقلانية"(بمعايير اقتصادية) - كما لو قررت مثلًا أن تقدّم خدماتها للشعب بدلًا من المستثمرين الأجانب، كما فعل "إيتامار فرانكو" [الرئيس الـ33 للبرازيل] عندما رفض دفع ديون حكومته إلى الحكومة المركزية في البرازيل - فيمكن فورًا معاقبتها عن طريق سحب رأس المال. مشكلة تحرير حركة رأس المال أنه يؤدي بالضرورة إلى اضمحلال السلطة الديمقراطية في كل مكان وتقويض البرامج الاجتماعية الموجهة للعامة. كما يؤدي بالضرورة إلى أن تكون السياسات موجهة لزيادة ثروات المستثمرين أصحاب الأصول المالية مما يعني مزيدًا من الأخطار والأضرار الاقتصادية على مستوى الاقتصاد الكلي.

وفي الاتحاد الأوروبي تمنح البنوك المركزية سلطة مفرطة من خلال أنهم من يضعون السياسات، وهذا سلاح قوي جدًا ضد السلطة الديمقراطية في صناعة السياسات في كل مكان في العالم ، وهذا التأثير لتحرير حركة رأس المال متوقع جدًا ويمكن التنبؤ به - كما أنه بالتأكيد مقصود -

كان هناك مقال مثير للاهتمام حول هذا الأمر في صحيفة الوول ستريت جورنال قبل يومين يقارن فيه بين المكسيك والبرازيل. أشار المقال إلى أن المكسيك "معجزة اقتصادية" - فالأرقام كلها تبدو على ما يرام، وإحصائيات الاقتصاد الكلي كبيرة، ومعدل النمو آخذ في الارتفاع، والتضخم متدني - شيء مثالي، فهم يتبعون جميع القواعد. و يشير المقال إلى أن هناك مشكلة واحدة فقط و هي أن السكان يعانون بشدة. معدل الفقر آخذ في الارتفاع – برغم أنه كان دائماً مرعباً إلا أنه يزداد سوءاً. كذلك الجوع يزداد سوءًا و الناس ليس لديهم وظائف. برغم ما يعانيه السكان، إلا أنها تسمى "معجزة اقتصادية". وهذا لا يفاجئني في الحقيقة! ، فعندما كانت البرازيل مفضلّة لدى المستثمرين الدوليين ، قال حكامها : "الاقتصاد يسير بشكل جيد ، الأمر فقط أن الناس ليسوا كذلك!"

واستمرت المقالة في طرح السؤال التالي: "كيف كانت المكسيك تتصرف على نحو جيد؟ لماذا ظلت تتبع جميع سياسات صندوق النقد الدولي التي ظلت تؤدي إلى هذه التأثيرات ؟" وجادل المقال بأن السبب هو أن المكسيك ديكتاتورية، وبالتالي يمكنها أن تجبر مواطنيها على قبول القواعد الخارجية.

ثم ذكر المقال: "حسناً، انظروا إلى البرازيل. هنا سنواجه بعض المشاكل". البرازيل أكثر اضطراباً، وأكثر ديمقراطية. الناس فيها لا يتبعون تلقائياً القواعد فقط لأنهم مجبرون على القيام بذلك عن طريق العنف. فعلوا ذلك في وقت واحد - في الأيام الخوالي في ظل الجنرالات – ولكنها الآن لا تعمل بصورة جيدة. لذا، كما ذكر، ربما ستكون البرازيل مشكلة أصعب للتعامل معها من المكسيك.

التقشف الاقتصادي وما يسمى "الاستقامة المالية" لا يمكن فرضهما على البلدان إلا بالقوة ، بالتالي في مجتمع ديمقراطي ، لن يكون هذا مقبولًا ، وبالتالي لا يمكن فرض الإصلاحات عليه بسهولة.

وبالنظر إلى تاريخ النظام المالي العالمي كما يشير الاقتصادي "باري إيتشينغرين - Barry Eichengreen" في كتاب صدر له مؤخرًا، إلى أنه في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لم يكن تدفق الاستثمار الرأسمالي والتجارة بالنسبة للاقتصاد مختلفًا كثيرًا عما هو عليه اليوم. أي أنه بمقاييس النمو الاقتصادي تعود العولمة إلى ما كانت عليه قبل الحرب العالمية الأولى. ولكن بالطبع هناك اختلافات كبيرة بين التاريخين. أحدها ، كما يشير، هو أن المستثمرين في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى كان يمكنهم الوثوق بمستوى ثبات أسعار العملات ، لأنه إذا حدث أي شيء خاطئ فإن تكلفة التعديلات يمكن أن تفرض على السكان بالقوة . هذا ما يحدث في المكسيك - نقل الألم إلى عامة السكان لضمان أرباح عالية للمستثمرين والنخب المحلية.

وفقا لإيتشينغرين، تغيرت الأمور في القرن العشرين. ظهرت الأحزاب والنقابات العمالية البرلمانية، وتم توسيع نطاق الامتياز، وأصبحت البلدان أكثر ديمقراطية بحيث لم تعد الحكومات قادرة على فرض الاستقامة المالية على السكان العاجزين. هذا هو السبب الذي جعل "بريتون وودز" تخرج بهذا الشكل ، اضطرت الحكومات حينها لوضع لوائح منظمة وسياسات مالية بالنظر لحقيقة أن البلدان التي أصبحت أكثر ثراءً أصبحت أكثر ديمقراطية ، يمكننا استخدام نفس الحجّة في وقتنا الحاضر لنقول أن منع التنظيم (تحرير حركة رأس المال) يعني أنك تجبر البلدان أن تصبح أقل ديمقراطية! ، ليس ممكنًا أن تتبنى النموذج المكسيكي للإصلاح الهيكلي الذي يعاني فيه أغلب السكّان ليسترد المستثمرون أموالهم دون أن تفرضه بشيء من القوة! ، هذا الأمران مرتبطان معًا ، وهو ما يشكل مشكلة في البرازيل حاليًا.

- لقد قلت أن السيطرة على الموارد الطبيعية هي طريقة لممارسة السيطرة على السكان. كيف ترى هذه المشكلة، بالنظر إلى أن أحد أهم أشكال الرقابة لدى صندوق النقد الدولي عند تقديم القرض هو فرض شروط مثل خصخصة الصناعات الوطنية؟

= صندوق النقد الدولي، بالطبع، يعني الولايات المتحدة الأمريكية. إنه يتبع بشكل أساسي سياسة الولايات المتحدة، والتي لا تختلف عن سياسات إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا. السياسات الرئيسية للولايات المتحدة تجاه أمريكا اللاتينية تم التعبير عنها بوضوح تام في العام 1945. أعقاب نشأة النظام العالميّ الجديد. فحتى الحرب العالمية الثانية، لم تكن الولايات المتحدة، رغم كونها أغنى بلد في العالم، لاعباً رئيسياً على الساحة العالمية. لم تكن إلا لاعباً إقليمياً. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، كان من الواضح أنها سوف تسيطر على معظم العالم.

فيما يتعلق بنصف الكرة الغربي، كانت الفكرة واضحة للغاية: سنقوم في النهاية بتنفيذ "وصية مونروا" [الرئيس الأمريكي جايمس مونروا ،الذي أطلق سياسة لمعارضة الاستعمار الأوروبي لأمريكا اللاتينية]. فحتى الآن لم نتمكن من فعل ذلك، لأن بريطانيا وفرنسا كانتا منافستين قويتين. لكننا الآن سنطرد بريطانيا وفرنسا ونأخذ كل شيء لأنفسنا. كان ذلك صريحًا: "تلك هي منطقتنا الصغيرة هنا"، والتي سنقوم بالسيطرة عليها. في مؤتمر نصف الكرة الغربي في تشابولتيبيك بالمكسيك في فبراير 1945، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية القانون. فرضت ما كان يسمى ميثاق للأمريكتين، الذي حظر "القومية الاقتصادية" – أي التنمية الاقتصادية المتوجهة محليًا - .لذا، على سبيل المثال، يتم السماح للبرازيل بمتابعة ما أسموه "التنمية التكميلية"، ولكن ليس التنمية التنافسية. وبعبارة أخرى، يمكن للبرازيل تطوير صناعاتها من الصلب، ولكنها لا تنتج أي شيء ذي جودة عالية مثل الفولاذ المتخصص الذي كانت الولايات المتحدة تنتجه.

فيما يتعلق بالموارد، كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن ما أسمته "فلسفة القومية الجديدة"، والتي رأت أنها منتشرة في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، والتي تقول "أن المستفيدين الأولين من التنمية من موارد البلد يجب أن يكون شعب ذلك البلد ". قررت الحكومة الأمريكية أنه لا يمكن السماح بذلك لأن المستفيدين الأولين من موارد البلاد يجب أن يكونوا مستثمرين أمريكيين. و قررت الولايات المتحدة أن تخرج من رؤوسهم فكرة أن يكون سكان هذه البلدان هم المستفيدون الأساسيون من موارد بلدانهم. يجب علينا أن "نحمي مواردنا"، كما قال "جورج كينان"، رئيس فريق تخطيط وزارة الخارجية، في إشارة إلى "مواردنا" هي تلك التي تقع في مكان آخر. عارضت الولايات المتحدة سيطرة تلك الدول على الصناعات خوفا من أنها قد تستجيب للمصالح العامة لشعبها. صندوق النقد الدولي يمثل هذه السياسة. لقد كانت هذه السياسة منذ البدء ولمدة 50 عاما مضت. 

يمكن النظر إلى الطريقة التي تم بها هذا العمل عبر الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع غواتيمالا. في الآونة الأخيرة، كانت غواتيمالا بارزة في الأخبار بسبب صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة للتوضيح التاريخي. جزء هام مما أشارت إليه مفوضية الأمم المتحدة هو أن غواتيمالا خضعت لترتيبات اجتماعية اقتصادية فرضتها عليها الولايات المتحدة والشركات العملاقة. وأن هذا هو مصدر المشاكل وليس فقط انقلاب 1954 المدعوم من الولايات المتحدة. بالطبع لقد حدث الإنقلاب الذي خططت له وكالة المخابرات المركزية لسبب: الحفاظ على تلك العلاقات الاجتماعية الاقتصادية. وهذا ما تم في جميع أنحاء القارة. تحاول الولايات المتحدة فرض هذه العلاقات الاجتماعية الاقتصادية على النحو المبين في الميثاق الأمريكي والعديد من الوثائق الداخلية الأخرى.

تلعب الخصخصة دورا رئيسيا في هذا النظام. هذا بالضبط ما يحدث في شرق آسيا. ويستفيد الغرب بشكل عام - وخاصة الولايات المتحدة - من الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا لأنها تمكنها من التقاط الأصول المالية والصناعية في شرق آسيا والتي تخضع الآن للمزاد الغربي.. هذه الأصول التي طوّرها سكان محليون من الطبقة العاملة ستعرض الآن ويتم امتلاكها من قبل "ميريل لينش" (شركة خدمات تمويلية عالمية) وآخرين بتكلفة منخفضة للغاية لأن الاقتصادات الآسيوية في حالة انهيار. هذا هو بيت القصيد. وفي الواقع، لعب تحرير رأس المال دوراً كبيراً في ذلك. فكوريا الجنوبية التي كانت اقتصادًا ناجحًا للغاية - ليست مكانًا جميلاً ولكن اقتصادًا ناجحًا - اضطرت إلى تحرير تدفقات رأس المال في أوائل التسعينيات وفي غضون بضع سنوات تسبب ذلك في انهيارها، كما كنا نتوقع. بدايةً بالتدفقات الكبيرة من المضاربات، ثم التدفقات الكبيرة للخارج، ثم الانهيار، ثم تأتي الشركات الغربية وشركات الاستثمار للحصول على الأجزاء المتبقية.

 - ما هي أشكال التحكم التي تستخدمها الولايات المتحدة اليوم مقارنة بفترة الحرب الباردة؟ ومن هم أعداء اليوم وكيف يتم خلقهم؟

= كانت الحرب الباردة مفيدة أيديولوجياً. ففي كل مرة تنفذ فيها أمراً فظيعاً يمكنك أن تقول: "حسنًا - لقد كانت هذه هي الحرب الباردة". فتأخد غواتيمالا مثالاً. تذكر جميع مقالات الصحف أنه : "نعم، لقد ارتكبنا خطأ. لكنها بالطبع كانت الحرب الباردة فما الذي كنتم تتوقعونه ؟ كانت غواتيمالا وأميركا الوسطى جبهة القتال أثناء الحرب الباردة". في الواقع، لم تكن أمريكا الوسطى جبهة معركة بالحرب الباردة. فلم يكن هناك روسي واحد في الأفق! إن القول بأن كوبا متورطة يشبه القول بأن أوروبا الشرقية كانت جبهة معارك في الحرب الباردة لأن لوكسمبورغ كانت تدعم المعارضة. هذا كلام سخيف. أمريكا اللاتينية كانت في جيب الولايات المتحدة. لم يكن هناك في الأساس قضية حرب باردة. الأمر أكبر من ذلك لقد كان مجرد فرض لهذه الهياكل الاجتماعية والاقتصادية وكانت الحرب الباردة مجرّد ذريعة.

ماذا يحدث الأن بعد انتهاء الحرب الباردة؟ حسنا، السياسات مستمرة بدون تغيير لأن الحرب الباردة لم يكن لها علاقة بها تقريبا. ما حدث هو أن الذريعة تغيرت، وتغيرت بسرعة كبيرة.
في كل عام يقدم البيت الأبيض للكونغرس كتيباً دعائياً لامعاً يفسر فيه لماذا يجب أن يكون للبنتاجون ميزانية ضخمة، ويمررها الكونغرس. في كل عام قبل انهيار الكتلة السوفيتية كان الأمر نفسه: "الروس قادمون - نحن بحاجة للدفاع عن أنفسنا". كان الكتيب المثير للإهتمام هو ذلك الذي تم عرضه في مارس 1990 بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي. فحتى أكثر المتعصبين وحشية لم يستطيعون الادعاء بأن الروس قادمون. ماذا فعلوا؟ قدمت إدارة بوش الكتيب اللامع، كما كان من قبل، فنحن بحاجة إلى ميزانية ضخمة للبنتاغون، كل شيء متشابه - لكن ذريعة التغيير قد تغيرت هذه المرة. إنه ليس الروس. الآن، وأنا أقتبس، "التطور التكنولوجي" لقوى العالم الثالث - هذا هو العدو الجديد. لذا فإن العدو هو البرازيل التي تسير في طريق التطور، لذلك نحن بحاجة إلى ميزانية ضخمة للبنتاغون. علينا أيضا حماية ما يسمونه "القاعدة الصناعية الدفاعية"، وهو مصطلح يعني صناعة التكنولوجيا العالية. بعبارة أخرى، تمول صناعة التكنولوجيا العالية عبر البنتاغون.

قالوا أيضا أنه يجب علينا الحفاظ على قوات التدخل. فلسنوات عديدة كانت قوات التدخل موجهة في معظمها إلى الشرق الأوسط، حيث توجد الموارد الرئيسية. هناك نظام تدخل ضخم ينتقل من المحيط الهادئ إلى جزر الأزور التي تستهدف الشرق الأوسط، ويجب الحفاظ عليه. ثم كانت العبارة التالية مثيرة للاهتمام: قالت إنه يجب توجيه القوات إلى الشرق الأوسط لكيلا توضع تهديدات مصالحنا بين يدي الكيرملين. وهذا يعني أننا نقبل أنه لم يعد هناك تهديد روسي، ولكن صار لدينا الآن تهديد التعصّب القومي ، قد لا يوافقنا سكان بلدٍ ما على أن المستفيدين من مواردهم يجب أن يكونوا في نيويورك أو لندن، وبالتالي نحتاج إلى قوات التدخل. لاحظ أن المشكلة لم تكن العراق في ذلك الوقت. العراق كان حليفا - صدام حسين كان حليفا وصديقا. لذا كانت المشكلة هي فقط أولئك الناس في المنطقة الذين لا يفهمون أن مواردهم وثرواتهم يجب أن تذهب إلينا.

هناك شيء نادرًا ما يتغير في هذا، خاصة بالنسبة للعالم الثالث: فإنهيار الاتحاد السوفييتي قلّص مساحة جبهة "عدم الانحياز". وسواء كان الاتحاد السوفييتي أو كوكب المريخ - لا يهم - لكن وجود بعض القوى الأخرى غير الولايات المتحدّة الأمريكية أوجد مساحة من الاستقلال. كان يمكن في السابق لدول العالم الثالث أن تكون بين القوتين، حيث تلعب واحدة ضد الأخرى. هكذا كانت تستطيع كوبا البقاء. ولكن هذا أمر قد ولى بالفعل.وتقلّصت مساحة الاستقلالية شيئًا فشيئًا بعد انهيار السوفييت ، وهو ما يعني أن العالم الثالث أكثر عرضة للسلطة الأمريكية مما كان عليه في الماضي. وهذا يعني أيضا أنه في أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال، في الوقت الحالي، لا يعد التدخل العسكري والانقلابات العسكرية ضروريين. قد يكونون بعد عشر سنوات من الآن، لكن ليس الآن. والسبب هو ضوابط مجلس الشيوخ الافتراضي لأصحاب رؤوس الأموال، والضوابط التي توفرها البنى الإيديولوجية مثل الديون، وتحرير رأس المال، وفرض الإصلاحات على النمط المكسيكي، كما يحدث الآن في البرازيل.

إن تعاون النخب المحلية لأمريكا اللاتينية هو عنصر أساسي. فهؤلاء لا يتم فرض هذه السياسات عليهم بل يقومون باختيارها بأنفسهم بهدف إثراء أنفسهم ،وهذا بالطبع نمط كلاسيكي تاريخي مشهور ، كما كان الحال مع البريطانيين في الهند - لم يديروا البلاد بالقوات البريطانية. كانوا يديرونها بالنخب الهندية الذين كانوا يثرون أنفسهم بينما ترزح البلاد في كارثة. تعتبر أمريكا اللاتينية مثالاً تقليديًا على ذلك ، وقد ظلت لفترة طويلة، خاصة في أكثر الأجزاء عنفاً في أمريكا اللاتينية. خذ كولومبيا مثلًا - المكان الأكثر عنفًا في أمريكا اللاتينية في الوقت الحالي. هذا بالطبع يحصل بسبب البنى الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل قطاعًا صغيرًا جدًا من الناس يملك سلطة هائلة على الموارد والأرض بينما يعيش أغلب الناس في فقر مدقع ، لاشك أن هذا سيولّد عنفًا ..

- وحرب المخدرات. . . ؟

= إن السيطرة على السكان في الولايات المتحدة مشكلة كبيرة.في الواقع، إنها أكبر مشكلة: كيف تتحكم في سكانك؟ حسنا، إحدى الطرق للسيطرة عليها هي من خلال وجود عدو أجنبي. لذا، إذا كان الروس قادمون، فإن الناس خائفون، وهم مطيعون. منذ حوالي عشرة أو خمسة عشر عامًا كان من الواضح تمامًا أن الروس ليسوا قادمين. لم يعد بإمكانك لعب هذه اللعبة. لذا، لابد من إعداد أعداء جدد: الإرهابيون الدوليون، ومروجو المخدرات من ذوي الأصول الأسبانية، والأصوليون الإسلاميون، وما إلى ذلك - أي عدو والسلام! ، بينما في حقيقة الأمر ليس في هؤلاء من يمثل تهديدًا حقيقًا!

لنأخذ الأصولية الإسلامية مثالًا . لا تملك الولايات المتحدة أي شيء ضد الأصولية الإسلامية في حد ذاتها، ففي النهاية،أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة هي المملكة العربية السعودية ، الدولة الأصولية الإسلامية الأكثر تطرفاً في العالم. نحن لسنا قلقون بشأنهم. علاوة على ذلك، لا تملك الولايات المتحدة أي شيء ضد الأصولية. في الواقع، ربما تكون الأصولية الدينية أكثر تطرفًا في الولايات المتحدة منها في إيران، لذلك لا يمكن أن تكون الأصولية هي المشكلة. لا يمكن أن يكون الإسلام هو المشكلة - المملكة العربية السعودية على ما يرام. هكذا كانت إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية، طالما أن الدكتاتورية الفاسدة والقاتلة كانت تحتفظ بالسيطرة.

المشكلة الحقيقية هي الاستقلال الوطني الحقيقي. في بعض الأحيان تأخذ شكل الأصولية الإسلامية. في بعض الأحيان تأخذ شكل الكنيسة الكاثوليكية، كما في الثمانينيات عندما كانت الولايات المتحدة في حالة حرب مع الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا الوسطى. من كانوا يقتلون؟ هناك صورة لرئيس الأساقفة "روميرو" هناك. لم يكن أصولي إسلامي. كان "صوت من لا صوت لهم" – لذا يجب قتله. اليسوعيون الذين قُتلوا في السلفادور كانوا من المنشقين الذين كانوا صوت الفقراء، لذلك يتم قتلهم. في الواقع، كان جزءًا كبيرًا من حرب أمريكا الوسطى حربًا ضد الكنيسة الكاثوليكية التي تجرأت على تبني "خيار تفضيلي للفقراء".

ماذا عن حرب المخدرات؟ لم يكن لحرب المخدرات أي تأثير على توافر المخدرات أو أسعارها في الشارع في الولايات المتحدة، ولكن كان لها آثار أخرى. في أمريكا اللاتينية، تُعد حرب المخدرات غطاءً لمكافحة التمرد على السلطة. بينما في الولايات المتحدة، فلها تأثيران متبادلان: لكن قبل هذا ، يجب علينا أن نفهم أولًا أن الولايات المتحدة نفسها أصبحت نوعًا ما مجتمعًا من العالم الثالث - وإن كان ثريًا جدًا - إذ كان الهدف من السياسات الاجتماعية للسنوات الخمس والعشرين الماضية هو تشكيل قطاع صغير جدًا من الأثرياء ثراءً فاحشًا ، وكتلة ضخمة من الناس الذي يقفون في المسافة بين التعاسة والنهوض بالكاد - وهذا هيكل نموذجي لبلدة من العالم الثالث. ولكن في بلد من العالم الثالث، هناك الكثير من الأشخاص الذين لا حاجة لهم (أولئك الذين تجاوزوا حافة البؤس) ، مثل أطفال الشوارع في ريو دي جانيرو ، ماذا يمكنك أن تفيد منهم؟ ، في البرازيل يمكن ببساطة قتلهم ، في كولومبيا هناك "تطهير اجتماعي"، وهو لفظ مخفف للتعبير عن القتل. في الولايات المتحدّة الأمر مختلف ، لأنه من المفترض أن تكون الولايات المتحدة دولة متحضرة، لذلك ترميهم في السجن. وهذا ما يجعل عدد نزلاء السجون يتزايد بسبب المخدرات - وهي جرائم لا ضحية لها - وهي تستهدف أولئك الذين لا نفع لهم ، أي الذي لا يمكن الإفادة منهم في منظومة صناعة الربح السائدة في هكذا مجتمع!. 

تلعب حرب المخدرات دورًا هامًا آخر ، وهو دور الفزّاعة ، يمكنك أن تخيف أي شخص آخر من خلالها . الولايات المتحدة هي واحدة من المجتمعات القليلة جداً - وشخصيًا لم أر غيرها - حيث يتم استخدام الخوف من الجريمة والمخدرات كوسيلة للسيطرة الاجتماعية. هناك بروباجندا ضخمة جدًا لبثّ الرعب من المخدرات و من الجريمة - والتي هي بالطبع تشفير رمزي ، إذ أن الرعب حقيقة متوجه للسود واللاتينيين وآخرين ، بسبب الصراع الطبقي والعرقي في الولايات المتحدة - 

وفي الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، شهد تقريباً ثلثا السكان دخولهم في حالة ركود أو تراجع رغم أنهم يعملون بجهد أكبر.ومن الصعب أن تقنع الناس أنهم يجب عليهم أن يعملوا لساعات أكثر - أكثر من أي مجتمع صناعي آخر - مقابل أن يزيد الركود وينخفض الدخل ، لكن إحدى الطرق لتجعلهم يفعلون ذلك هي إبقائهم خائفين، وبروباجندا الجريمة والمخدرات تفعل ذلك. إذن، ليس الأمر حرب مخدرات فاشلة. في الواقع، إنه نجاح كبير. لأن الهدف في الحقيقة ليس منع توافر المخدرّات ، الأمر متعلّق بأهداف أخرى ، وهو يعمل بشكل جيّد جدًا.

- ما نوع النظام السياسي والاجتماعي الذي تود أن تراه؟

= أود أن أرى نظامًا يزيل التسلسلات الهرمية والهياكل الاستبدادية. نظام من شأنه أن يمد الحرية والخيارات الديمقراطية. يعني ذلك أن الناس في أماكن العمل والمجتمعات يمكنهم التحكم فيما يؤثر في حياتهم ، بما في ذلك علاقات الإنتاج ، والتجارة، والتخطيط للمستقبل، وتوزيع الموارد، وما إلى ذلك. أعتقد أن الناس يريدون مجتمعاً تطوعياً لا سلطويًا وإذا لم يكونوا يريدون ذلك وكانوا يفضلون أن يحكمهم مجموعة من ملاك العبيد والديكتاتوريون – إذاً فأنا مخطئ. لكنني لا أعتقد أن هذا ما يريده الناس، لذلك أود أن أرى نوع المجتمع الذي يتحرك في هذه الاتجاهات. وهذا يمتد إلى كل شيء من العلاقات داخل الأسرة إلى تنظيم المجتمع العالمي. فالأسر الأبوية هي شكل من أشكال السلطة والتبعية التي لا أظن أنها جيدة لأي شخص، وأعتقد أن الناس لا يريدون ذلك إذا كان لديهم خيار. ينطبق الشيء نفسه على المجتمع الدولي، الذي يحكمه إما العنف المباشر للقوات العسكرية أو العنف غير المباشر للمؤسسات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، الذي يعمل "كمحارب عن أصحاب رؤوس الأموال". ما أراه لا على المستوى العالمي ولا على المستوى المحلي ينبغي التسامح مع مثل هذه التراتبيات. 

نهاية الحوار.