أن تشتاق لحزنك لا يعني أنك اعتدت السعادة وتشربت منها حتى زهدتها ومللت منها، أن تشتاق إلى الحزن فلا يعني إلا أنك قد فقدت الإحساس تمامًا.. صرت قطبًا جليديًا لا تقربه الشمس ولا يرى بصيص النور.. والآن فقط تدرك ما أهمية الحزن في نفوسنا، إنه دلالة الحياة.. رمز الشعور وطوق النجاة لاستبقاء كونك بشريًا تألفت من خليط من المشاعر.. اختفاء الحزن يعني أنك غريق أو ميت أو شيء آخر لا يمكن وصفه.. لأنني لا أملك من الشعور ما يمكنني من نعته الآن.
يا الله كيف صارت الأمور متشابهة أقف أمام أعظمها وأصغرها لا أحرك ساكنًا.. لقد ظننت أن القادم ستشرق فيه شمسي وتُبدد فيه غيومي.. لكن ما حدث أنني ازددت ضلالة واشتدت الوحشة في نفسي ولا أجد في معظم أوقاتي إلا كيد شيطاني الذي تخطاني بسنين ضوئية فصار يتلاعب بي كبيدق على رقعة شطرنج.. وكان كيده الضعيف في عظيمًا، هذا لا يعني إلا شيئًا واحدًا لا يخطئه أحد..
وذلك لا يعني أنني استسلمت وإلا فلم أكتب ما أكتبه الآن،ولكنني لا أحمل حافزًا للمضي قدمًا.. لا أعلق أخطائي على القدر فالله لم يخذلني يومًا ولكنني ركنت إلى الدعة والضعف ولون من الغرور.. آهٍ يا فتى وألف آهٍ لماذا لم تسر الأمور كما تمنيت؟ لماذا لم تحتفظ بأحلامك وطموحاتك؟ لماذا زهدت باكرًا يا هذا؟!
كان "روكي" الملاكم أحد أبطالي المفضلين، ظل يقاتل حتى بلغ من الكبر عتيًا ورغم هزيمته في آخر مباراة لكنه اُعتبر من الجميع فائزًا وأهمهم نفسه حتى خصمه! كان هذا منذ عامين وحينها كنت أتأرجح في شكل اعتدته بين البشر والضيم وكانت حلولي متعددة وسلاسل شيطان نفسي لا تغادر قبضتي.. كان حزني محدودًا وأملي غير محدود، كنت أنظر لمستقبلي فتقدح عيناي بالشرر من شدة الحماس.. ظننت أنني كنت في أسوأ مراحلي حينها ولم أكن أعرف أنني في أوج قوتي.. ثم توالت السنهات وصرت أفقد درعًا ثم سلاحًا حتى نُبذت بالعراء خالي الوفاض..
الأمر الأكثر تعقيدًا هو أنني لم ولن أدع أحدًا يقترب من موضعي اللعين ذاك، من سيقترب أكثر من اللازم ستصيبه لعنتي.. سيحترق.. وعلى كل حال فأنا لن أسمع وإن سمعت لن أقنع وإن اقتنعت لن أبرح.. الأمر منوط بي وحدي، علي أن أحمل أثقالي بمفردي.. علي أن أكسر قيودي لا أن أكبل بها غيري وأزيده أسرًا فوق أسره.. علي أن أنتفض.. علي أن أحزن.. علي أن أطعن نفسي بخنجر الحقيقة حتى أستعيد قدرتي على الشعور.. العلة مجهولة ولكن علي ألا أسقط.. لا أعلم الآن لماذا يجب أن أقاوم فالكل معتاد ما يريده مني الآن لكن أنا لا أرضى بهذا الطريق الملعون.