هو رجل له حسُّ مرهف قد بلغ الغاية، يَغلبه التجهّم إذا نثر إنسان بين يديه الكلام نثرًا، ورماه به على غير مبالاة منه.

فتراه يحبس أنفاسه، ويعدُّ ثوانيه ودقائقه، خوفًا من أن يصيبه قائل الكلام بسهم، أو يرميه بقول؛ لأنه قلبه ضعيف لا يحتمل.

وحدث مرة أن كنت جالسًا معه في جماعة من الناس، وكان بين القوم رجل قد أخذ سهم لسانه يطيش، فهو يرمي هذا، ويلمز ذاك، ولم يجد لسانه طُعمة يتطّعم بها غير صاحبي، فأثار حفيظته بكلمة، فرد عليه وأثخن له في القول حتى أفحمه، فلو رأيت وجوه القوم قد امتقعت وتبدلت وتغيرت!.

فلما انتهى مجلسنا ذاك، سرت معه، وقلت له: إنك لو أعرضت عن الرجل، لكان في ذلك خيرًا.

فقال: وما أصنع بقلبي وهو يغلي غليان القدر!، فالكلمة منه تصيبني كأنما تقتلني، وتريد مني أن أسكت له!.

محال أن يكون هذا، هو يعلم أني عاصفة هوجاء إذا ثارت فلا شيء يوقفها!.

إن نفسي يا صديقي تكاد تنفطر، وروحي تكاد تختنق، فلا شفاء لي ولروحي إلا بالكلام، فنفسي هي نفسي التي أعرف، تفيض إذا امتلأت.

إن الواحد من هؤلاء ينثر كنانته ويقبض بيده على أي سهم شاء منها، ثم يرمي بأسهمه الناس على غير مبالاة، وعلى غير مراعاة، فيهلك بكلمة يقولها الحرث والنسل، ويزهق بكلمة يقولها الأنفس والقلوب.

إن هؤلاء يا صديقي لا يملكون من الرحمة لنا ما نملك نحن لهم، ولا يملكون من الشرف ما نملك نحن لهم.

إن هؤلاء لا يطيب لهم العيش إلا على أقذار الناس، وعلى علل الناس، فعلى أي شيء تريدني أن أصانعهم؟!

ثم ودعني، وانصرف..