سألني احد الأصدقاء فقال: (هل تؤيد ما ورد في كتاب نهاية التاريخ للكاتب الامريكي فوكوياما؟؟؟؟).....فكان جوابي كما يلي:

اطلعت على هذا الكتاب أوائل عام 1995 في ليبيا قبل شد الرحال لأرض العرب ثم للغرب بحثًا عن المكان الذي تتحقق فيه لي (الحرية) و(الأمان) .. ولكنني قد احتاج إلى إعادة قراءته مرة أخرى الآن، فدائمًا القراءة الأولى تكون عامة ومجملة، وعلى كل حال هو كتاب لا يخلو من فوائد كثيرة أهمها أنه يشرح بشكل دقيق وعميق فكرة الديموقراطية الليبرالية فأنا مدين بفهمها لهذا الكتاب وكتاب ((عن الديمقراطية الليبرالية : قضايا ومشاكل، القاهرة 1993)) للدكتور (حازم الببلاوي) وفي تقديري أن من يقرأ هذين الكتابين بعقل واعٍ سيفهم ما هي (الليبرالية) التي هي أساس الديموقراطية الغربية!، كما أنه سيجد في كتاب (نهاية التاريخ) شرحًا للمآخذ العميقة والدقيقة على الشيوعية والاشتراكية والنظم الشمولية والجماعية عمومًا التي تُحجم الأفراد، وقد استفدت منه كثيرًا في فهم هذه المذاهب والصراع بينها ، ثم تطرق للمستقبل ودخل في النبؤات ومنها أن الديموقراطية الليبرالية والرأسمالية هي قمة التطور الفكري للبشر ونهاية التاريخ وأن خصوم المجتمعات الغربية الليبرالية ما بعد القضاء على الشيوعية سيخسرون المعركة كما خسر المعسكر الاشتراكي ، وهي مجرد نبؤات أو تمنيات حماسية جاءت في ذروة الابتهاج بسقوط الاتحاد السوفيتي!، وهاهي التوجهات اليمينية القومية والدينية والوطنية التي تنظر لليبرالية بشيءٍ من الشك تعود للواجهة من جديد في عقر المجتمعات الغربية... لهذا فالباب مفتوح أمام التاريخ لمسارات أخرى غير التي اعتقد فوكوياما في ذروة زهوه بسقوط الشيوعية المدوي أنها نهاية التاريخ !!.

أنا شخصيًا أظن - حسب تفكيري وتقديري الحالي - أن (الرسمالية) قد لا تكون وضعًا أبديًا حتى نهاية الدنيا ، قد تكون مرحلة ضرورية تقتضيها مسألة التقدم وتنمية الثروة العالمية فلا شك أن الرأسمالية ومحفزها الأساسي التجارة والربح لها دور أساسي في الدفع بعجلة التقدم العلمي والتقني والاقتصادي بل والعمراني والحضاري ولكن ربما سيأتي زمن بعد قرون عديدة تصبح الكلمة فيها للعلم وتكون هناك حكومة عالمية تضبط مسألة الانتاج ومسألة توزيع الثروة على البلدان والافراد بما يحقق الراحة للناس من جهة ويحمي الأرض وثرواتها المتبقية وبيئتها الطبيعية من الفساد والخراب الذي ينتج عن تغول الرأسمالية المتوحشة!... في ذلك الوقت أتصور أن (الآلات) القوية والذكية ستحل محل الجهد البدني بل وحتى الجهد الذهني للبشر، وسيتحقق نوعًا من الرفاه الاقتصادي والراحة العامة للبشر لا بتطبيق الشيوعية والاشتراكية (*) وانما بالعلم والتقنية والادارة العلمية للمجتمعات ولكوكب الأرض، وأعتقد أن القرآن الكريم أشار لتلك الحالة من الرفاه العام لكوكب الأرض في قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، كذلك نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (يونس:24)... ففي هذه الآية إشارة تؤكد أنه لن تقوم الساعة حتى تبلغ الأرض وأهلها قمة الزخرف والزينة وقمة القدرة والسيطرة إلى درجة الغرور وهو ما سيتم بالتقدم العلمي والتقني قطعًا بل هناك من الأحاديث المنسوبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - التي ما أدرى ما صحتها لكنها تشير إلى أنه سيأتي زمان تتحول فيه الصحراء إلى جنة خضراء ويصبح الذهب في متناول الناس في الشوارع لا يبالي به أحد لكثرته وأن الفواكه والأنعام سيكون حجمها ضخم إلى درجة أن الواحدة منها ربما تكفي الكثير من الناس!!... كل هذه اشارات إلى أن الساعة لن تقوم إلا بعد اكتمال العمران البشري وبلوغه قمة الثروة وقمة الرفاه المادي وقمة الصحة العامة وقمة الزينة والزخرف!، وهذا سيكون بالتقدم العلمي والتقني بما فيه علم التنظيم والادارة للمجتمعات بطريقة علمية ذكية (عادلة ورشيدة) وفعالة كما ستساهم التقنية في توزيع الثروة بشكل دقيق وسريع وعادل بين الافراد والمجتمعات بل وستساهم في ضبط عدد السكان وتحسين نسل البشر من ناحية الصحة ومن ناحية الجمال، فالله اعطى الانسان بنفخه فيه من روحه قدرات ومهارات عظيمة متنامية قدر لها أن تظهر بالتدريج وتنمو بالتجربة بغرض أن يسيطر البشر على الأرض ويستعمروها ويعمروها ويزخرفوها ويزينوها حتى تغدو كما لو أنها الجنة التي عُوقبوا بالخروج منها بعد معصية آدم وحواء!... هكذا اتصور المستقبل بالنظر للقرآن وبالنظر أيضًا للتاريخ وخط التقدم العلمي والتقني والحضاري والعمراني ، ففي ظني أن خط التقدم العلمي والتقني والعمراني خط حتمي متصاعد دائمًا في خط مستقيم ولكن خط الرقي الاخلاقي والوجداني والروحاني للبشر ليس حتميًا تارة يصعد وتارة يهبط !، والله أعلم ، تحياتي .

*******************
سليم الرقعي 2018

  • (*) يرى (ماركس) والشيوعيون أنه باستيلاء العمال على وسائل الانتاج الاجتماعي العام سيتراكم الانتاج بحيث يبذل كل فرد أقصى جهده ويأخذ من الناتج العام حسب حاجته فقط، والنتيجة تكون تراكم الثروة حتى تفيض على البشر فتغرقهم في النعيم!، وهو تصور نبيل ولكنه طوباوي لا يتلائم مع طبيعة البشر الأنانية والنفعية، لذا فالشيوعية فكرة نبيلة لكنها غير قابلة للتطبيق، ولكن ما تريده الشيوعية كفكرة سيتحقق فعلًا لا بسيطرة العمال والقوى الثورية وانما من خلال التقدم الهائل في العلم والتقنية بحيث تصبح الطبقة العاملة والمنتجة غير بشرية بل عبارة عن آلات قوية وذكية ودقيقة تعمل بلا شعور ولا وعي ، تفعل وتنفذ أوامر البشر ومخططاتهم في تطوير العمران وتحسين الانتاج بل وتوزيع الانتاج بالعدل بين البشر، (كل حسب حاجته وما يكفيه ويحقق له الراحة المادية)!!