قال لي صديقي: حسنًا، سأخبرك بسر خاص بي.. ولكن لا بأس إن أذعته يومًا ما لكن دون تشخيص أو إشارة لي.

تلك الحياة شاقة للغاية لدرجة كنت أخشى فرحها قبل حزنها.. دعك من الفلسفة ولكنني كنت أشعر بمؤامرة تُحاك لي في خضم نشوتي وانتصاري.. ربما لم يكن الأمر كذلك البتة قبل الواحدة والعشرين، ولكن هذا ما يحدث عندما تدخل في ساحة المعترك وأنت كالحمل الوديع المهادن تُقحم غدرًا بين حشود الجزارين.. وكأن العالم يضعك حينها تحت الميكروسكوب.. وكأن دول المؤامرات العليا تخطط لسحقك أو اغتيالك كل دقيقة..

هل هو الشك أم كثرة الطعنات؟ ربما مزيج من الاثنين..

فعندما ترفع حالة الاستعداد للحرب حتى في أحلام نومك فهذا يعني أنك لن ترتاح أبدًا..

ولكنني اعتدت الأمر.. من قال إن الحياة ستكون رحلة سياحية إلى جزر المالديف؟

الجميع يعلم أنها رحلة شاقة.. بل يقول بعض الفلاسفة: "إن الحياة ليست مسرحًا ولا رحلة وإنما هي ورطة كبيرة لمن يفهم!".

وكلما تعتقد في نفسك أنك نجوت وحظيت من الخبرة الكثير تأتي صفعة حارة تعيدك لصوابك.. يا عزيزي لن تبلغ من العلم إلا قليلا.. وعلم الحياة أكبر علم!

ستصبح أكثر خبرة وحنكة ولكنك لن تبلو كل خبرات الحياة.

على كل حال كان ذلك الأمر قبل الضربة القاضية.. نعم نسيت أن أخبرك، الحياة لها منحنى لا بد أن تمر به.. تلك السقطة المدوية التي لن ينفع معها أي شيء.. هذا الاختبار إجباري محض.

ولكن المختلف ما يكمن فيما وراء ذلك الاختبار.. في الحقيقة إنه ليس اختبار، إنها لحظة تنوير ومعرفة نفس.

حتى تعلم أنك تخلط بين الأوراق وتضع سفاسف الأمور محل الكوارث.. حتى تدرك أنك تفتعل الكثير من الإشكاليات التافهة التي كان يمكنك غض الطرف عنها بسهولة.. كنت غاضبًا وكنت حديث العهد.. ولذلك دعني ألتمس لك عذرًا أعدك أنك لن تلتمسه لنفسك حينها.

ستعرف أمام تلك اللحظة أن ما مر لم يكن شيئًا.. كان وخزة سطحية لكنك كنت رقيقًا.. ستقول أنت ذلك، لأنك الآن أمام مشكلة بحق!

الجميل في الأمر أنك تكون وحيدًا فيها.. إما وحيد المقام أو وحيد العقل.. لن تجد من يحملك بشكل أو بآخر، سينعقد لسانك كأنه سر فاحش لا ينبغي لك قوله ولو قطعوا رأسك.. ولكن الأمر شاق ولا مناص من البوح، ولكن كيف تبوح وأنت لا تفهم ما يحدث أساسًا.. أنت تتلاشى.. تحترق.. تتبخر.. أي شيء يشبه ذلك الأمر.

أعرف يقينًا أن الأمر لم يكن عشوائيًا.. كان مُدبرًا، وهنا عرفت قدري.. نحن ندعي القوة والصلابة والعلم والحزن وحتى السعادة.. ندعي معرفة أنفسنا ولكننا لم نعرفها أبدًا في حقيقة الأمر!

كان هناك طريق واحد، تذكرت أنه من المفترض أن يكون الأول.. ولكن حتى ذلك لم يكن، أعرف ذلك ولكنني نسيت ولا أعرف لماذا تبعثرت أوراقي من بعد الواحدة والعشرين..

لا وقت للحسرة فعلي الذهاب إلى ذلك الطريق، وكنت هناك بعد قليل.. على أعتاب المسجد.

كنت خجلًا أشعر بشيء في نفسي.. وهذه اللحظة الوحيدة التي خرج عنها الحزن من نفسي.. شعور بالحرج، هل أطلب الله في نكبتي فقط؟

ولماذا لم أشكره فيما كنت عليه؟ كنت في رخاء لكنني جحدت وسخطت.. اعتقدت في راحتي روتينًا، وفي وقتي الشاغر مؤامرة.. وفي كل شيء لم أر إلا الظلام.. رغم سطوع نوره!

على كل حال فإن الله أرحم بي مني، تجشمت ودخلت وتوضأت ثم بدأت أتدبر الفاتحة لأول مرة.. توقفت عند اسم الرحمن وقد قرأت تأويله سابقًا.. ثم الرحيم!

لا يمكن للكلمات أحيانًا أن تصف.. ولا يمكنك أن تصدق حتى تذوق، لذلك إن ذقت فقد عرفت وإن عرفت فلن يزورك الشك أبدا.

ثم كان السجود.. تذكرت أن أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد، وهنا انفجرت قنبلتي.. كثير من البكاء ولعثمة من الكلمات.. وحديث روح يتكرر أنك يا رب تعلم ما نفسي ولا أعلم ما في نفسك، هنا تذكرت قول شيخ مر بي أن الدعاء الحقيقي يكون بيقين حتى يُستجاب بالخير ولا يكون من باب التجربة والشك لأن الله لا يُجرب..

من باب آخر أن يا ربي ألقي إليك ما لا أطيقه ذرعًا.. وأفوض أمري إليك إنك وحدك بصير بما في داخلي.

شعرت بالراحة مع نهاية الصلاة، قضيت الوقت المتبقي حتى الصلاة المقبلة.. هنا فقط شعرت بأن الحجر نزل من فوق صدري..

وأكرر لك هنا، هذا مما لا تصفه الكلام ولربما اعتبرتني مبالغًا رغم أنك لم تعهد ذلك مني، ولكن هذه الحالة لم أمر بأسعد منها.. ولا أكذب إن قلت أنني قد تمنيت الرحيل بها، لقد كنت صادقًا لأول مرة في حياتي.. خلعت عباءاتي المتنوعة وأقنعتي الباهتة وتحدثت بما في بكل صراحة.. لقد صدقت الله فصدقني.

صحيح أنني لا أزال أتارجح لكنني أعود وأعرف أن الله هنا لا يخذلني وهو أعلم بما في نفسي وهو العليم بضعفي وتفاصيل كل أفعالي.. أعصيه ولكن أعود إليه.. أعلم أنه ملجأي الأوحد ومنبع قوتي الوحيد وهو القادر علي لا شريك له ولا معقب لقضائه ولا شيء إلا منه وإليه.. وأنه رحيم بي أدركت حكمته أم لم أدركها لكنني أومن بها دومًا وهذا يكفيني.

أتمنى حينما تأتيك العاصفة أن تذوق أعظم مما عرفته أنا يا صديقي.

#الصياد