وقطار الحياة يسير بك مارا بدروب الفرح و كهوف الأحزان و العقبات الكئودة، فتسعد يوما و تذرف الدمع أياما أخرى.
والأحداث تتعاقب عليك تلبسك المعطيات ثوب الناصح و تتوشح حلة صاحب الحكمة ، فتدلي بدلوك في كل المسائل و أنت جاهل بالحيثيات ، و تشير أمام الملأ بالبنان للحلول و سبل الخلاص و مواطن الداء ، و ربما تحجز لنفسك ساعات و ساعات في القاعات و المقامات و التجمعات و أنت تحاضر و تشرح و تحلل متناسيا أياما خلت و حوادث مضت.
ماذا لو فتحنا الزوايا المظلمة في مسارنا ؟ ماذا لو تصفحنا سجلات خيباتنا و قصص نكساتنا ؟
إذا كنا فعلا نملك من الحكمة ما يؤهلنا لتبوء مكانة الناصح و الشيخ الموجه ، فلم نبخل على أنفسنا بكشف دليل الخروج من نفق الناقدين، و التمتع بسراج المبتهجين، فقد كبلتنا اذرع السلبية و ألتهمتنا الظلامية و سواد السريرة ، فأصبح الإعلام ناقدا و الشارع أيضا و الجهلة كذلك، ثم وصل الأمر للناشئة فتبنت الروح النكدية فلا تكاد تجد شابا متفائلا ، و لا امرأة سعيدة بما تملك، و لا رجلا بشوشا راض بحاله ، فالكل ينتقد الكل ، و كل العرب يعبثون بحاضر و تاريخ كل العرب، و المحصلة الكل مع الكل في الدرك الأسفل من الانحطاط و الركاكة و التخلف.
فماذا لو درسنا لأبنائنا مبادئ النظافة ؟ يا بني احتفظ ببقايا الحلوى في جيبك و لا ترمها في الطريق العام ، يا بنيتي لا ترفعي صوتك في الحافلة فالأمر مخل بقواعد الحياء و الأنوثة ، يا صديقي اصطحب كتابا معك في رحلتك ، يا شيخنا امسك عنك لسانك ، و انتم جميعا ازرعوا الورود في عقول البنين ، و زهورا في قلوب البنات ، و تجاوزوا الخصومات و احتفظوا بالآلام مكبلة في دهاليز الأفئدة ، فالبسوا الجديد الناصع ، و تعطروا بعبق الربيع الفتان و تمتعوا بغروب الخلافات، و سطوع نجم التراحم و الألفة و الاحترام و الرحمات.
ماذا جنيت من الانتقاد و طلب العثرات و التشهير بالكبوات ؟ على ماذا حصلت من النبش في النكبات و جراح الأيام الخاليات ؟ طبعا كتابات و روايات و أوراق متناثرة يصاحبها وخز في الرقبة ، و الم أسفل الظهر ، ومصاحبة للأرق بعد هجرة الراحة للجفون، و التشابك مع الأهل و صاحبة القلادة.....و ملازمة الصغار للدار بعد هجرة الرحلة و الرياضة.
ماذا لو تكفلت بنفسي و أهلي ، و وضعت اللبنة تتلوها الأخرى ، و أرسيت سبل النجاح بدعم المطالعة و الهواية و الرياضة و قبلها التقرب لرب الملكوت ، أين الكلمة الطيبة الجميلة و العبارة الرقراقة الرنانة و النظرة البهيجة للحياة و العمل للخلود في الجنان بعد الممات.
فلن أكلف نفسي عناء الغضب ، و لن احمل تفا هات الفاشلين و هم على قارعة الحياة ، فلنتكفل بأنفسنا و أهالينا و محيطنا ارضاءا لربنا و لنعش بقية حياتنا في زمرة السعداء.
محمد بن سنوسي