في عصر جوجل تحولت فنون التراسل والمرسلة إلى ثرثرة الكترونية
بقلم
محمود سلامه الهايشه Mahmoud Salama El-Haysha
كاتب وباحث مصري
ككل شيءً جميل كان في الماضي، انتهى بالاندثار أو الانقراض وأصبح جزءً من تاريخ الإنسانية، يطرح أستاذنا الدكتور/ عبدالله الحاج، رئيس تحرير المجلة العربية السابق، قضية اندثار أحد فنون الأدب والفكر ألا وهي فن الترسل. فثورة التواصل الالكتروني عبر الكلمة والصورة والصوت، أدى للكثير من التأثيرات السلبية على زيادة التلوث السمعي والبصري والحسي، مما غير بالسلب في البرمجة اللغوية العصبية لأجيال كاملة، فبعد انهيار القاموس اللغوي والقدرة على استخدام اللغة، في التفكير والاتصال والتواصل عبر الكلام المكتوب أو المنطوق!!
فبدلاً من أن كان المفكر يراسل مفكر، فيردوا على بعضهم البعض بكل ما هو أدبي وعلمي مفيد لهما أو لقرائهما في زمانهما أو للبشرية من بعدهما كتراث كبير لما كان يفكر فيه البشر عبر العصور، لبناء العقول وتدريبها على التفكير الإيجابي لإنتاج أجيال مبدعة ومبتكرة تخدم من سيأتي بعدها، أما في العصر الرقمي الذي تتناقل فيه المعلومات في فيمتوثانية من أقصى الأرض إلى أقصى، أصبح هناك من يفكر للعقول ومن يبدع للمبدعين، فقد تحولت الدول إلى دول كاملة منتجة وآخر غيرها مستهلكة حتى للأدب والثقافة والفكر، فلماذا تزرع طالما نقدم لك الطعام جاهز ولماذا تنتج علومك وآدابك طالما لدينا من يفكر لك ويبدع لك!!، فقط أدفع ثمن ذلك، وإن كنت من معدمين الفقراء، لا يهمك سنقدم لك الغذاء والدواء، وسنملأ بطنك وعقلك بطعامنا وفكرنا وإبداعاتنا، وبذلك سنستعمرك لتنفذ كل ما نريده منك، أنت كإنسان واحد، وأسرتك، وأنتم كدول مستهلكة بشكلً كامل!!، والكارثة التي يتم دسها في عقول الأطفال في مراحل التعليم الأساسي من ابتدائي وإعدادي (متوسط) وثانوي، من دس السم بالعسل، لماذا تحاول الحفظ، أو بالأحرى الاحتفاظ بأي معلومة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، علمية أو أدبية أو دينية في عقلك، وتشغل مساحات كبيرة منه بتلك المعلومات، طالما هناك جوجل، فهو ذاكرتك الكبيرة العملاقة، فإذا احتجت أي معلومة أسأله ولا تتعب رأسك؟!!
فقد أضحت الصحافة العربية، عبارة عن التعليق على ما يتداوله النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو وقضايا، بالإضافة للحشو من أخبار اقتصادية وصراعات سياسية داخل الدولة!!
إذا فما يكتبه مجموع مستخدمي الفيسبوك والتوتير، وما يعلقوا عليه، وما يعيدوا نشره، هو موضع اهتمام وسائل الإعلام المسموعة والمقرءوه والمرئية، فقد أصبحت تلك النوافذ تأتي بمسئول وتخلع مسئول، وتبرأ مذنب، وتجلد برئي، وتشهر بهذا وتنجم بذاك!!
أما إذا حاولنا تحليل مستوى لغة الحوار، فحدث ولا حرج، فلم يعد هناك أي حدود تحفظ أدب الحوار بين الأطراف التي تتجاذب أطراف أي ناقش، فأصبح كل شيء متحرر من قواعد العادات والتقاليد وتعاليم الأديان السماوية، للدرجة التي أصبح البعض يُطلق على هذه الفترة التي نعيشها بسبب سوء مستوى الحوار "نحن نعيش مرحلة، يا اقنعك – يا اشتمك"!!