لماذا نعاقب المجتهد والمخلص في عمله ونكافئ المقصّر المهمل بمزيدٍ من الراحة ، لماذا نزيد العبء على الموظف النشيط ونخفّف على الموظّف الكسول ، لماذا نعالج القصور بمزيدٍ من الكسور ، لماذا نضع اللوم على الموظف المضغوط طيلة أوقات العمل ، ونصمت عن آخر لا يفعل شيئاً سوى التواجد بجسده خلف مكتبٍ لا يعلم ماذا بداخل أدراجه !

كثيراً ما تأمّلنا حالة موظفٍ كادح يقوم بعمله على أكمل وجه إلا أنه يتنقّل بين قسمٍ وآخر لا لشيء بل لسد فراغ ومهام قسم آخر ويأتي مكانه ثلاثة أو أربعة موظفين !

كثيراً ما تحدّثنا عن توزيع مهام العمل بين الموظّفين ، ولكن يبدو أنه لا أحد يريد الاستماع !

هذا ملخّص لحوارٍ سمعته شخصياً بين اثنين يتحاوران عن مكان عملهما وهما يعانيان من نفس المشكلة ، لتستعيد ذاكرتي العديد من النماذج المشابهة ، مما دفعني للبحث عن فكرةٍ منطقية لهذه المعضلة الغريبة !

هل يدفع النشيط ثمن اجتهاده فعلاً بأن يتحمّل أعباء زملائه، أم كان عليه أن يكون واضحاً منذ البداية وألا يكون البطل المغوار الذي يحمل الفريق على ظهره !

هل يكرهون النشيط ويتوجّسون منه ويختلقون له ألف سببٍ وهمي لتشتيته وإرغامه على الدخول في دوامة التشعّب عمداً !

الواقع أن المشكلة تعتمد على الشخص نفسه فعليه أن يعالج مشكلته منذ البداية وألا يقوم بعمل إلا بتكليفٍ رسمي موثّق ليضمن حقوقه أما الأوامر الشفهية فليست مستنداً قانونياً

أما إن كان في بيئةٍ من التناقض والمحسوبيات فعليه أن يبحث له عن عملٍ آخر كما يقول المثل القديم :

وش لك في البحر و أهواله

وأرزاق الله على السيف !

هذا الحوار المدهش  أعاد إلى ذهني تجربةً حيّة حدثت لأحد الأصدقاء ، حيث التحق بعملٍ تطوّعي قرابة عشرين عاماً ، وقد وصل به الحال أن يعمل رفقة ثمانية أشخاص لا يحضر منهم سوى اثنين فقط والبقية يكتفون بالتقاط الصور التذكارية مع ابتساماتٍ تكنولوجية دقيقة !

هذا الصديق نصحّني عدّة مرات بالابتعاد عن المجاملات الزائدة وعدم تحمّل أعباء الآخرين ففي النهاية سيقطفون هم الثمار وتبقى أنت تبحث عن ماء السقاية طيلة الفصول الأربعة .

المكان المجبول بالأنانية والغرور هو أكبر بيئةٍ طاردة سواءً كانت عملاً وظيفياً أو عملاً تطوّعياً.