من جرّب رياضة الملاكمة وجرّب اللكمات القوية علم تماماً مقدار القوة والضعف بين قبضةٍ وأخرى ، وهناك من يتعلّم الدرس من اللكمة الأولى وهناك من يحتاج إلى لكمات أخرى ليستوعب الدرس وهناك من يُحَوّل نفسه إلى وجهةٍ مفضّلة للملاكم الذي يختبر قدراته أو يقوم بتمارين رياضية استعداداً للقاءٍ حاسم.
حينما يكابر الإنسان ويرفض الإصغاء إلى المحيطين به ولا ينتبه إلى فداحة أموره المتأزمة وسوء تخطيطه في الحياة وتردّي حالته الصحية ومعاناته المادية المستمرة نتيجة قرارات خاطئة ومتسرّعة فتكون النتيجة نهاية حزينة ومتوقّعة لأن الدلائل تشير أن هذا الشخص يسير مثل سائقٍ أهوج نحو الهاوية ولا يفصله عنها سوى العناية الإلهية و الوقت و تدخل الرفاق المخلصين في اللحظات الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كم من موهبةٍ أضاعتها الرعونة والطيش ، وحبائل الغرور ، والكسل والإهمال ، حتى طواها النسيان ولم يعد يتذكّرها أحد سوى أصحاب الذاكرة القوية والمتذوّقين رفيعي المستوى ، وكم من مبدعٍ أضاع نتاج عمره في مراهقاتٍ صبيانية لا تليق به وتسبّب في نفور جميع من حوله وصمّم على مواصلة معاركه العاطفية الوهمية حتى انتهى به الحال أسفل قائمةٍ من الأسماء المنتهية صلاحيتها قبل الأوان.
من يتعلّم الحقيقة منذ اللكمة الأولى سيفكّر كثيراً قبل أن يقدم على خطوةٍ ما قد تكلّفه الغالي والنفيس ولن تنفعه سنوات الندم خاصّةً وأن زمن الفرص المتعدّدة قد انتهى ، ومن لا يأبه بغياب المحيطين به ولا يستفسر عن سبب هذه القطيعة ، فلن يأبه بغيابه أحد ولن يهتم به أحد باعتباره ورقةً منسية في هامش الأيام.