مدينة الدوحة تشبه فتاة جميلة في آخر عقدها الثاني، تكبر أمام عينيك  يوما بعد يوم تزداد فتنة وجمالاً، و يلحظ هذا كل زائر وعاشق نبيه، إلا أن فيها عيب يبدو أنه قدر مكتوب لايمكن علاجه.

لعل ما يميز الدوحة عن غيرها من العواصم العربية هو كثافة الأنشطة الثقافية والفكرية من ندوات ومؤتمرات وغيرها، وهذا لأنها تحتضن العديد من المراكز البحثية والعلمية منها (مركز الجزيرة للدراسات، والمركز العربي للأبحاث، ومنتدى العلاقات الدولية، و مركز التشريع الاسلامي والأخلاق، و مركز دراسات الخليج .. وغيرها)

يخيل إليك أيها الرائي من بعيد أن الناس في الدوحة مشغولون بهذه الفعاليات ولكن سرعان ما تتبدى لك الحقيقة إذا ما زرت أحد هذه المراكز وفعالياتها التي ستبدو لك شبه خالية من المهتمين لولا المجاملة المتبادلة بين الباحثين فيحضر هذا ليطيب خاطر صاحبه أو ليبني علاقة مع المتحدث ليستضيفه في ندوة أو مؤتمر آخر ، وللإنصاف ربما تجد حضورا كثيفا مرة في كل سنتين، وهذه ليست مثلبة الدوحة، فكلٌ له عذره ولا يمكن إلزام الناس بما يكرهون.

بعيداً عن أجواء المراكز البحثية ستأخذك الدوحة بيدها المنعمة إلى المسرح المكشوف في كتارا لتشنف أذنك بصوت عربي شجي يغني والبحر يتراقص على أنغامه، ثم تنتقل إلى سوق واقف فتشم عبق التاريخ وترتشف الكرك ثم تمتع ناظريك في أحد المعارض الفنية التي تحوي لوحات ورسوم عالمية لن تجدها في أي مدينة عربية أخرى.

تكشف لك الدوحة عن مفاتنها فترى الجوائز التي يتنافس فيها المتنافسون "جائزة الترجمة، وجائزة كتارا للرواية العربية، وجائز العلوم الاجتماعية والإنسانية" تقترب منها أكثر فتكشف لك عن حفاوتها بالأفلام فهي لا تدعوك للمتابعة فقط بل تحثك على المشاركة و الصناعة، فهنا مهرجان الدوحة السنوي للأفلام، وهناك مهرجان الجزيرة للأفلام.

جمال الدوحة لا ينتهي هنا فهي تهمس في أذنك: هل رأيت المسرح ؟ مسرح الدراما والمسرح الوطني ومسرح السوق، هذا غير المسارح المكشوفة في شتائها الدافيء.

تحاول أن تستعيد أنفاسك وتلملم شتاتك فبينما أنت كذلك تجذبك نحوها أكثر، فتغوص في مدينتها التعليمية؛ عن يمينك جامعة "نورث وسترن" وفي الجهة المقابلة جامعة "تكساس" وهناك "كلية لندن" تليها جامعة "جورج تاون" وغيرها من المؤسسات الأكاديمية العالمية والمحلية، في لحظة ما تشعر أن عقلك مأخوذ بها فينشرح صدرك، وتعتز بهذه المدينة العربية الغضة الفاتنة، تبدي لها إعجابك بما رأيت من اهتمام بالمعرفة ومؤسساتها فتسألها عن مكتبة تجارية تبيع الكتب.

فترى في عينيها حزناً غريباً، هربا تحدثك عن المكتبات العامة، لكن بعد إلحاح منك ستأخذك على مضض إلى مكتبة ابن القيم فلا ترى سوى قرطاسية وبعض لعب الأطفال ! أين الكتب ؟

هناك ثلاثة كتب فقط من بينها كتاب "لاتحزن".

  • حقاً إنني حزين أيتها الدوحة.

هذا ما حدث معي ومع كثير من الأصدقاء، فقد حاولت الدوحة أن تأخذني إلى مكتبة أفضل فلم يكن إلا مكتبة جرير التي هي في الحقيقة ليست سوى متجر للحواسيب والأدوات المكتبية، أما الكتب فعلى الهامش ونادرا ما تجد فيها كتابا ذا قيمة، إلا إن كنت من المنخدعين بقصة "الأكثر مبيعا" فبغيتك هنا وستجدها في "فيرجن" أيضاً، أما مكتبة دار الثقافة فهي تسير في ركب القرطاسية الأولى، وكذلك مكتبة المطار التي لا توفر إلا الكتب الإنجليزية!

لا تخلو أي دولة عربية من مكتبة أو شارع مخصص للعناية بالكتب قديمها وحديثها، بينها وبين بائعها ألفة فهو يعرفها وهي تعرفه له مع كل كتاب قصة، في هذه الأمكنة تعلو الكتب ولا يُعلى عليها، فرائحة الورق تعطر المكان و منظرها يمتع ناظريك كبستان يحج إليه كل زائر،

المزعج والغريب حقا، أن تخلو الدوحة من مكتبة تجارية جيدة، تليق بمستوى الاهتمام الثقافي والفكري والفني، الدوحة تعج بالباحثين والمؤلفين لكنها خالية من الكتب للأسف.

الدوحة فتاة جميلة بكل تفاصيلها إلا أنها بدون روح أشبه بجسد خاوٍ لا أنفاس فيه.
هل يمكن لثقافة أن تعيش في دوحة مجدبة من ماء الثقافة ؟


________________
عبدالرحمن الشهري Abdurhmanshehri@