تفاعل الجزائريون مؤخراً و كعادتهم مع موضوع إستعمال الدارجة في المدرسة بردة فعلٍ عاطفية عنيفة إستعملت فيها كل الوسائل اللائقة و غير لائقة للتهجم على من في واجهة القضية. و هنا يجب وضع بعض الملاحظات حول الجدل القائم الذي لم يرقى للأسف لأن يكون حواراً علمياً مفيداً.

يتفق المختصون و كل ملاحظ عادل على أن الطالب الجزائري عموماً يصل إلى المرحلة الجامعية و هو يعاني فقر مدقعا في اللغتين الأساسيتين المستعملتين في التعليم العالي أي العربية و الفرنسية و هذا فشل أكيد للمنظومة التربوية التي أنشأته. كيف حصل هذا و نحن نأتي بأبنائنا إلى الإبتدائي في ست سنين و هم يحسنون التفكير و التعبير بلغة الأم ثم ما يفتئون بعد سنتين أو ثلاث يتخبطون و يعانون من تراجع رهيب في التعبير و التحليل! و يتواصل هذا طوال حياتهم الدراسية و نحن قد عجزنا أن نصلح ما أفسدته المدرسة ولا يسعنا إلا أن نقف ملاحظين لأجيالٍ تضيع دون القدرة على فعل شيئ.

قد إقترح بعض المجتهدين و الباحثين منذ سنوات إستغلال مهارات الأطفال اللغوية المكتسبة بالدارجة كأحد الحلول الممكنة للتعامل مع مشكلة البناء اللغوي في اهم مراحله أي الثلاث سنوات الأولى من فترة التعليم. الفرق أن هذه المرة قد قامت وزارة التربية بتبني الفكرة رسمياً دون عرضها للنقاش على نطاق واسع. فماذا حدث؟

أولاً: فشلت وزيرة التربية و كل من حاول شرح الفكرة من بعدها فشلاً ذريعاً في طرح و شرح المقترح. فقد دفعوا معظمنا للتصور أن الوصاية اتخذت قرارها دون الرجوع الى المختصين و الفاعلين. و مشكل تواصل الوصاية مع الشعب بفعالية أمر مزمن.

ثانياً: معظم المعارضين لم يناقشوا الفكرة في حد ذاتها و لم يجلبوا تحاليل علمية لإظهار الخطر المتوقع أو تحديد مكمن أسباب فشلها قبل أن تولد. بل خاطبوا الناس بشعبوية و أساليب تأجج الحقد.

 ثالثاً: كان الجدال للأسف و كالعادة مشخصناً حيث تبارى المتبارون في إتهام الوزيرة و كل من وقف في صفها بالإنتساب إلى حزب فرنسا أو المؤامرة على سلخ الشعب من هويته الخ…كان الأولى و الأقرب إلى التصرف الحضاري أن تناقش الفكرة دون الهجوم عَلى المفكر. أخيراً: لا أحد من المعارضين إقترح لحد الآن حلولا بديلة للمشكلة القائمة و المتمثّلة في عدم قدرة المنظومة التربوية على تكوين شبابٍ متقن للغة العربية التي تمثل جزءاً من هويته و اكتسابه للغةٍ أجنبيةٍ تمكنه من تطوير قدرته على نقل العلوم و التجارب الأجنبية.