قبل أن نورد مفهوم علماء الرسوم لدى ابن عربي، ينبغي أن نوضِّح المفهوم السائد، فعبارة ابن القيم في مدارج السالكين هي أكثر نص يتّكئون عليه، ومنهم الشيخ بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية، فيقول ابن القيم:
"يسمون الفقهاء وأهل الأثر ونحوهم علماء الرسوم؛ لأنهم عندهم لم يصلوا إلى الحقائق، اشتغلوا عن معرفتها بالظواهر والأدلة. فهذه الطائفة التي أشار إليها لا رسم لهم يقفون عنده، بل اشتغلوا بالحقائق والمعاني عن الرسوم والظواهر. وللملحد هاهنا مجال؛ إذ عنده أن العبادات والأوامر والأوراد كلها رسوم، وأن العباد وقفوا على الرسوم، ووقفوا هم على الحقائق. ولعمر الله إنها لرسوم إلهية أتت على أيدي رسله، ورسم لهم أن لا يتعدوها، ولا يقصروا عنها، فالرسل قعدوا على هذه الرسوم يدعون الخلق إليها، ويمنعونهم من تجاوزها، ليصلوا إلى حقائقها ومقاصدها، فعطل الملاحدة تلك الرسوم، وقالوا إنما المراد الحقائق، ففاتتهم الرسوم والحقائق معا. ووصلوا؛ ولكن إلى الحقائق الإلحادية الكفرية"
لكن هل فعلا ابن عربي والذي يُعتبر أبرز من هاجم علماء الرسوم، أن يكون مفهومه هو ما قال به ابن القيم؟
صحيح أن ابن عربي قال عنهم في الفتوحات المكية:
"وما خلق الله أشق، ولا أشد من علماء الرسوم، على أهل الله المختصين بخدمته، العارفين به من طريق الوهب الإلهي، الذين منحهم أسراره في خلقه، وفهّمهم معاني كتابه وإشارات خطابه، فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهم السلام"
ج١ ص٢٧٩
لكن لم يكن مراده إسقاط التكاليف الشرعية والعبادات الشعائرية، فيقول مبيّنا رأيه:
"وما رأينا ولا سمعنا عن صاحب كشف إلهي من المؤمنين خالف كشفه ما جاءت به الرسل جملة واحدة ولا تجده فقد علمت الفرق بين العقلاء في معرفة عينه وبين الرسل والأولياء وما جاءت به الكتب المنزلة في ذلك ... فعليك بعبادة الله التي جاء بها الشرع وورد بها السمع ولا تكفر بما أعطاك دليلك المؤدي إلى تصديقه وقصارى الأمر إن تسلم له ولأمثاله مقالته في ربه لثبوت صدقه وثبوت المؤمن على اتباعه فإذا أنصفت في الأمر وعلمت ما نطقت به الرسل ع في حق الله جوزت أن تهب من تلك المعرفة نفحة على قلوب المتبعين من المؤمنين تؤديهم إلى الموافقة في النطق وإنه حيث كان لسان الحق فتسلمه في الفرع كما سلمته في الأصل بجامع الموافقة وإياك والكفران فإنه غاية الحرمان فتكون من الذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون" الفتوحات المكية ج٣ ص٣١١
فابن عربي فقط يذم من يقول باستحالة الإلهام والعلم اللدني من الله عز وجل، لدى الصالحين، محتجا بآيتين:
١-(فألهمها فجورها وتقواها)، وبذلك يُقر بأن الإلهام قد يكون خيرا أو شرا.
٢-(وعلمناه من لدنا علما)، وهنا، حتى الرازي يتفق مع ابن عربي في تفسيرها.
هذا والله أعلى وأعلم..