إشارة

اليوم كان الثالث والأخير من دورة ( القاموس الإشاري العربي )
بدأتها لأتعلم شيئا من لغة الصم والبكم وأتعلم كيف ( أُشير ).. لكني فوجئت بأن الإشارة تشير (إلي أنا) .. تشير إلى ذلك الشيء الذي يغمرني حتى ما عدت أراه .. تشير إلي أذني ولساني .. تشير إلى ورقة المصحف في قلبي ( ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين )

* * * | | صوت والديك .. صوت فوالآذان .. ضحكات إخوتك.. التفاز.. الجرس .. الجوال .. صوت البحر.. والأطفال ..صوت العصافير ..صوت الخطر| | * * *

* * * | | أن تتصل بشخص ما .. أن تحكي عن تفاصيل الحفلة أمس .. أن تصرخ حينما تغضب .. أن ترتل ، تغني ، تنشد ، تتمتم . أن تناااديهم
أن تتودد لطفل صغير ..أو تتشجع وتقف بجوار كبير .. أن تعبر عما أحب أو عما
تكره .. | | * * *

كل هذه أمنيات ماتت عندهم ولم يبق إلا اليد التي تلوح بمعانيها

تكتظ المعاني في النفس .. تختنق المشاعر.. تفيض الحالات ..ولاتجد إلا نافذة ضيقة اسمها :اليد

- جلستْ إلى يساري سيدة في وسط العمر .. انتبهتُ لاهتمامها البالغ وتفاعلها مع دروس لغة الإشارة .. في الاستراحة أخبرتني أن لديها أربع بنات فاقدات لحاسة السمع !

- في اليوم التالي من الدورة جلست إلى جواري فتاة جميلة أنيقة في أول العشرين من العمر اسمها" هديل " أيضا لفتني تفاعلها واستباقها لبعض الإشارات .. لما تعارفنا أخبرتني أن والدتها ووالدها صماوان !

- ( أم )رفعت يدها لتسأل الأستاذة عن حل لمشكلة ابنتها التي تم تشخيص حالتها بشكل خاطئ
وبدل أن تدخل لمعهد الصم -لأن مشكلتها فقط في السمع - أدخلوها لصفوف متعددي الإعاقة وظلت معهم في المكان غير الصحيح من سن ٥ سنوات إلى ١١ سنة وقد أُهدر عمرها وقدراتها !

- خرجت من قاعة المحاضرات ومشيت في الممر الهادئ حتى وصلت للساحة الخارجية تفاجأت حين دخلتها بأنها ممتلئة بالطالبات فهذا وقت الانصراف ! العجيب والذي غاب عن ذهني لوهلة أن حتى (الفسحة )و(الصرفة) هي أوقات هادئة أيضاً .. لكني أيضا شاهدت مشجارة في الزواية بين طالبات المتوسط .. مشاجرة لا ضجيج فيها مطلقا إلا الإشارات الغاضبة .

ربي .. لا أجد كلمات أصفّها لأشكرك
ربي .. تنحبس المعاني في نفسي حين أقف لأحمدك
ربي .. لك كلي .. كل خلاياي وكل حواسي .. لك كل سنون عمري الـ ٢٩ تسجد خارّة تسبحك وتحمدك

خجلى أنا من كل الكلمات السيئة التي نطقتها

خجلى أنا من كل الأيام التي غربت دون أن أشغل لساني بذكرك

خجلى أنا من كل صوت تلذذت به غير ذكرك

( ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه
وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك )