Image title

** يومُ جُمعة **

تأخرنا هذه المرة .. عقرب الدقائق اقترب من رقم ٥ بقيت دقائق وتبدأ صلاة الجمعة

فتحت الباب السفلي لمسجد التقوى
صعدت الدرج وقلبي يتأهب لشهيق كبير

مشتاقة لهذا المكان بعد انقطاع عدة أشهر

الباب الخشبي أمامي أسحبه فتفوح نسمات المسجد ، هواءه وروحانيته وسكينته .. من اللحظة الأولى ينغسل القلب ليست لانكوم ولا Chanel
ولا رائحة لينور ولا كمڤرت
إنها الرائحة النقية المتسربة للحواس المحركة لكل الخلايا كأنها تنفضها


كنت مستعدة لأن أراها على اليمين كما تعودت ..
وفعلا وجدتها تجلس على الكرسي في مكانها المعتاد على بعد سنتيمرات عن باب المسجد

تجلس خالة ليلى في هذا المكان من المسجد كل مرة !
أزور هذا المسجد من سنوات يوم الجمعة
ما دخلته إلا ووجدتها !
في نفس مكانها بجسدها الممتلئ وعباءتها الواسعة وعكازها يتكئ بجوارها وكيس صيدلية مهترئ فيه أدوية وجهاز نوكيا.
كأنها أحد أعمدة المسجد أو أجزاءه ! لا يتغير فيها شيء

سلمت عليها وعانقتني بحرارة وأنا أنحني عليها ..
تسأل عني وتشد على كفي وتمسح بيدها اليسرى على يدي اليمنى وتسأل عن ولدي.

كنت في كل مرة أراها أراقبها من بعد وأحبس في نفسي أسئلة كثيرة ( أكبت سمية الملقوفة داخلي )

اليوم وبعد سنوات أريد أن أعرف سرها

وبعد مقاومة أخرجت أسئلتي حاولت تغليفها قدر الإمكان ..سألتها عن قصتها ..
عرفت بعدها
أنها صديقة حميمة قديمة جدا لهذا المسجد ..
تسكن في حي النزلة ..
منذ ٢٢ سنة تصلي الجمعة فيه ولا تتركها
بالكاد تشتري أدوية الضغط والسكر
تسكن في غرفة إيجارها ٧٠٠ ريال في الشهر
ورغم فقرها وحاجتها لا تستطيع التخلي عن الصلاة في مسجد التقوى في شارع التحلية .. تدفع لليموزين ٢٥ ريال ذهابا و٢٥ ريال عودة ..
أسرارٌ أخرى عرفتها عنها لا أحب إفشاءها
لكن سرها المعلن ولا تستطيع هي إخفاءه هو أنها
في كل جمعة أول من تدخل هذا المسجد
تصلي وتدعو وتبكي
يؤذن فتلهج بدعاء ضارع كأن قلبها يعتصر به
تصلي وتبكي وتتمتم في السجود من كرسيها بأدعية عميقة
وما أن تنتهي الصلاة حتى تضع كفيها على أذرعة الكرسي تنهض وترفع جسمها ببطء
وهي تمسك عصاها باليمنى ..تمشي وتتوكأ على العصا إلى الباب تدفعه وهي منهكة
وبطرف عصاها تقرب حذاءها الأسود المنهك ووبطئ ترفع قدمها واحدة تلو الأخرى ترتديه..
تتوكأ على وحدتها في السير في هذه الحياة

لا زوج ولا أبناء ولا أهل !

لكنها تملك شيئين أعظم من ذلك ..
قلب صابر شاكر
لسان ذاكر

أما أسرارها العميقة فخبأتها في صندوق السجدات