أقبل بأهله من بعيد ليسأل، فوجد المسؤول شابًا قد اعتوره القبح حتى كأن الشيطان لم يجد صورة يتمثل بها غير صورته، فراعه منظره، وأقبل يحوط أهله ويبعدهم عن ناظري هذا الرجل القبيح، ثم تقدم إليه وسأله وانصرف مسرعًا يريد أن يسأل غيره لأنه لم يثق بالرجل ولا بجوابه.
فأقبل على رجل آخر رسم الله الملاحة على وجهه رسمًا، وأبدع في تصويره أكثر ما يكون إبداعًا وتصويرًا، فبارد إليه مسرعًا مبتهجًا آمنًا على نفسه وأهله، فبعد أن سأله وجد الرجل محمقًا ممعنا في الذهول، يُصوّب بصره بحده إلى نسائه وحريمه، ويجيبه بخلاف ما يسأل عنه، فهش له آمنًا مبتهجًا لا يحذر شيئًا، يُحسن الظن في هذا الرجل إحسان من عرفه دهورًا متطاولة، وأزمنة متوالية.
فعجبت لهذا الرجل، ولمقياسه هذا، فهو يقيس الناس بأشكالهم وصورهم، فيخاف ويحذر على أهله ممن قبحت صورته، ويأمن عليهم ممن حسنت صورته، فحكم على الأول أنه شيطان رجيم، وعلى الثاني بأنه ملك كريم.
وما علم المسكين أن مقياسه هذا باطل لا حقيقة له، والمقياس فيه ما قاله الأول:
جمال الوجه مع قبح النفوس - كقنديل على قبر مجوسي
ولو كان يفكر لعلم أن الخشية والحذر لأهله ممن حسنت صورته أدعى منها فيمن قبحت صورته، فالأول متوفرة فيه دواعي ما يحذر، والثاني ممتنعة داوعيه، بعيدة حوله الشكوك.
فيا للعجب ولا عجب، فزمان متناقض كهذا الزمان ترى فيه العجائب مجتمعة، والنقائض متحدة متصلة، فسبحان الله العظيم!، وصدق من قال:
والليالي من الزمان حبالى - مثقلات يلدن كل عجيب