بعد مرور كل ذلك الوقت لا تزال ذكرى الثانوية العامة تُهيج في نفسي كثيرًا من المشاعر المختلطة التي تأسرني رغمًا عني.. تضارب يعتريني ما بين الأسى والفرح، ما بين الابتسام الخفيف والدموع المتشددة.. لا أستطيع أن أتناسى جدتي في تلك المرحلة.. مرحلة نصري الوحيد الذي استحققت قسطًا منه، لا أقدر على تجاوز صرخة أمي فرحًا وتهليل أخي طربًا.. لا أستطيع نجاوز هبوطي ساجدًا وعناق أساتذتي ولقب الأول على إدارتي.. كان هذا إنجازي الأول وربما الأوحد والأخير.. فمنذ ذلك العهد لم أنجز هدفًا محددًا، كلها انتكاسات كاسحة أودت بي ودقت عنقي وتحدب لها ظهري وانفطر لها فؤادي.. فقدت أملي واهتزت أرض إيماني وركنت إلى الوحدة، ولولا رحمة ربي وفضله لكنت الآن نسيًا منسيًا.. لذلك يا قلبي أنا أعاتبك عقليًا لا قلبيًا.. فأنا أعيش على ذكريات تلك المرحلة، أفتقد نفسي.. أفتقد جدتي.. أفتقد راحة البال.. أفتقد خواء القلب.. أفتقد تحمل مسئولية آمال الآخرين.. أفتقد كل شيء.. حتى خوفي حينها، أتعلم يا قلب ما الذي يشعل النار فيَّ؟ أنني فقدت كل ذلك بالتدريج.. أنني أشتعل الآن هو الرمق الأخير الذي يبقيني حيًا.. أشعر أحيانًا أنني لست أنا، لا.. ليست نظرية تناسخ الأرواح الغبية تلك، فأنا هنا ولكن خبا ضوئي وانطفأ قنديلي وكساه الغبار.. أنا هنا ولكنني مستضعفٌ في أرضي.. مسني الضر ونُبذت بالعراء مذمومًا.. أريد أن أنطق بألف آهٍ فلا ينطلق لساني وأود أن أعتزل الجميع فلا يتركني من يعولون عليّ فأقف في مكاني.. فؤادي بين أضلعي غريب ينادي روحًا لا تجيب.. الأوراق مختلطة والمشاعر متضاربة والقلم مقصوف والروح ثكلى والقلب كبله اليأس والعين لا تنظر إلا نحو السماء راجية رحمة ربها.. فلماذا كل هذا العناء يا قلب؟!