جيت يا أحمد ! راح جدّك راح هيبة البيت،راح وخلاني
جيت ياجدة ! بعد أن قطعت ألف ميل متثاقلاً ،ألف ميل كنت دائماً أقطعه على مدار إثنا وعشرون عاماً مسروراً برؤيته سعيداً بتواجدي في أرجاء بيته يلاعبني ويمازحني ويخاصمني ويحتضنني،جيت ياجدتي وجلست على حافة مزرعته وتحت ظل الشجرة التي كان دائماً يُحب أن يراهن على تسلقي عليها، جيت ياجدتي وتسلقت تلك الشجره ليشاهد ولكنه لم يكن متواجداً،جيت ياجدّة ولم أجد سوى جدران تصرخ بأصوات الذكريات وأشجار نُكست أغصانها حداداً على فراقه وطيورٌ تُحلق حول بيته تحمي عصاه ونظارته وكرسيه وساعته وحتى ثوبه وبشته، جيت ياجدّة ولكنني لم أجده.
ورحلت ياجدّي أيا قطعة من فؤادي وروحي أيا أبي كنت ومعلمي ،رحلت قبل أن أعايدك وقبل حتى أن أختم نصف عامي بين أحضانك فطالما فعلت، رحلت لتختار رفقة ربّك .. وصعدت نحو السماء مهرولاً مشتاقٌ لخالقك ،رحلت لتقعد تحت أشجار الجنه وتستظل بظلها رحلت في يومٍ ماطر كنت تبتهج برؤيته وتفرح بحلوله حتى تشرب أنت وزرعك من هناء مائه أتذكر حينما نزل علينا المطر وأخذتني لنسابق السحاب ونقطع ذلك المضمار لنرى مزرعتك تشرب وتهلل بحمد ربنا وتأنس تذكرت كيف كنت تسابقني لرؤية البئر يمتلئ والماء يتفجّر بين أرجاء غرسك أتذكر عندما كنت تحملني على ظهرك حتى أقترب من السماء .. ولكنك اليوم رحلت وتركتني طريحاً تحت الشجرة متدثراً ببشتك ومتكأً بعصاك أشاهد السماء تنثر الماء على البئر والزرع فلا خطواتي تسابقني لأرى البئر ولم يعد كتفك موجوداً لأصعد عليه وأقترب من السماء كما كنت تجعلني، السماء تبكي على قبرك والجموع تتسابق على دفنك والأصوات تتصاعد بألطف الدعاء وأحسن القول ليتك بجانبي تحت الشجرة لأمسح نظارتك من الماء وأشير بأصبعي حتى تشاهد ما أرى وتمسح على رأسي وتُمسك بجسدي الذي يرجف وتضعه بحضنك حتى يهدأ ليتك تستطيع أن تغطيني برداء بشتك وتقول لا بأس يابني أمان ربنا وطمأنينته عليك.
جدّي .. أبي .. حبيبي .. أبي .. فؤادي.. جدّي أتسمعني ! أنا الآن أهمس بأذنك .. أتسمع صوتي ! أتفهم قولي ؟
أنا الآن أفتقدك جداً أخبرك أنك كنت طيلة هذا اليوم ومنذ الصباح في قلب أحضاني مثلما كنت تفعل بي لم أتخلى عنك لحظة واحده مثلما كنت ترافقني ،كان رأسك يرقد تحت وسادة يدي مثلما كنت أرقد بجانبك و تخبر أمي أن تدعني في أحضانك،لاعليك فأنت في أمان معي إطمئن ياحبيبي فلن يقترب من جسدك الشر ولن أغمض عيني عنك،أهمس لك الآن وأخبرك أنني كنت أرى الدنيا في عينيك حتى وإن كانت نائمه الآن صدقني لم تكن الدنيا ما أشاهده مع نافذة السيارة أعلم أنه مشهدٌ صامت ولكن تذكر لطالما كنت تُحب الهدوء، جدي ! أرقد بسلام ياحبيبي فالرب بإنتظارك وملائكته على أبواب سمائه ينتظرون رؤية وجهك وجنانه تفوح عطراً مترقبة نسائم روحك،إطمئن لن تكن وحيداً فـ لساني يتلو على قلبك الدعوات والمطر الآن إزداد شدةً ليطهر روحك وأيدي الناس مرتفعه هذه اللحظة تدعو لك وأبي الآن قد تبلل واقفاً عند روحك يدعو لك حتى ظننا أن قدماه تسمّرت حول قبرك.. إطمئن سنلتقي وأحتضنك في هذه الجنان العريضة أعدك سأقطع أضعاف أضعاف ألآف الأميال لألقاك على الأرائك مسروراً ضاحكاً مستبشراً
جيت ياجدي عند جدّة ! وتقول رحت وخليتنا .. ولكن ماغبت عن قلوبنا ساعه.