دائماً ما ننتقد بعضنا البعض ونستشهد بقول: المؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرّتين، ولا نُدرك أنّ المنتقدين لا يخلون من العيوب والأخطاء بل على العكس فأخطاؤهم تكون أكبر وأكثر ثِقلاً وغالبا لا نستطيع إحصاء عددها، وللأسف نجد في أيّامنا من جعل من ذلك مهنةً يستطيع من خلالها كسب قلوب الجهلة أو الأميين على حدٍّ سواء ليصبح له شعبيّة واسعةً تدافع عنه في غيابه، وهناك صنفٌ آخر جعل من الانتقاد هوايةً يعبرُ من خلالها كلّما كثُر كلامه في المجالس أو مواجهة الفقهاء بغير علم.

هناك عدّة أوجه عديدة للانتقاد ويأتي ترتيبها على كافّة الأصعدة وفي جميع مجالات الحياة، منها من ينتقد منكراً شيئاً فحسب حتّى من غير علمٍ أو تفسير أو برهنة سبب انتقاده، ويعود ذلك لنوع طبعه الخاص ، ومنها انتقاد واسعٌ لا حدود له لفتح الباب أمام الجدال وسلاحه أقوال المشاهير وعلماء الفلسفة ويندرج في ذلك ( أقوال الملحدين ) ليخدع النّاقد نفسه بأنّه توصّل إلى الدليل القاطع في مسألة الانتقاد المطروحة، ومنها أيضاً من ينتقد الأشياء والأقوال والأفعال الّتي يملك بحوزته وجعبته الانتقاديّة برهاناً قاطعاً من علمه وفقهه استناداً لكتاب الله عزّ وجل والأحاديث الشّريفة من السّنة.

إنّ هذا الشيء الوحيد الّذي دعاني لكتابة ما تقرؤون فهنا نجد أنّ كلمة ( انتقاد ) قد أخذت مكاناً بين المِهن أو المواضيع الّتي تشغل حديث عامّة الناس بنسبة تجاوزت 85% من الأحاديث اليومية والأهم من ذلك هو عدم توافق آراء أصحاب الشّق الأخير المذكور، فقد تمدّد وتطوّر حتّى شكّل أحزاباً ومجالس يُنتقَد فيها المنتَقِد عِوضَ توجيه من هم في طريق الإلحاد وإرشادهم إلى الصّواب بل لنقل ما هو أفضل من ذلك وفضّ النّزاع الدّاخلي الّذي طغى على الأفكار وفي كلِّ دقيقةٍ تمرّ كان يجعل النّفوس تنحدر إلى هاويةِ الجهل مخلِفاً فئةً سيطر عليها التّمرُّد بسبب ترجيح قول عن قولٍ آخر والجميع يسعى لشدّ حبل الحروف نحوه على أنّه أصدق القوم قولا.

كل هذا كان سبباً في ابتعادنا عن الطّريق الصّحيح والدّستور المقدّس والهديِ المُرسل منذ مئات السّنين الّذي تناقلَ إلينا طاهراً نقيّاً بداية من أشرف الخلق حتّى وصل وسقط في أيدٍ لم تقدّر قيمته ولا يوجد من يغار عليه وعلى أصحابه، الّذين أصبحوا اليوم بين من كان الله في عونه وثبّته بمَعزِل وبين مخوِّنٍ أو مشكّك وبين مشتّتٍ لا يعرف من أين يجري الماء.

نعم إنّه دين المسلمين إنّه الدّين الحنيف إنّه من أُرسِل لأجله وجاهد لأجله ومات لأجله سيّدنا محمدٌ عليه الصّلاة والسلام.

ألم نتعلّم من هديه ألم نتعلّم من وفاته، ألم نتعلّم من غدر إخوة يوسف عليه السلام، ألم نتعلّم من قابيل وهابيل وقصّتهم الّتي يعرفها الملايين، ألم نتعلّم من قوم نوحٍ ولوطٍ عليهما السّلام، ألم نتعلّم ممّن قتل الحُسين وسعى في جنازته،

وكم مّر بعدها من مواقف يشيب لها الجبين وكان أقلّ واجبٍ نقوم به هو أخذ الدّروس والعِبر من تلك الأحداث لأنّه لن يأتي مثلها ولن تتكرّر فإلى متى يا قوم فإلى متى يا مسلمين؟! إلى متى سنظّل يحكمنا الغريب ويزرع أشواك الفتنةِ بيننا من قريب ثمّ نقول أخطأنا وندفع الثّمن...!! كلّا لم نُصيب لكن أقول: (لكم الخيار وليس قولي من يُطيب).

اللهم احفظ المسلمين من الفِتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبّتهم على دينهم وإيمانهم، اللهم انزع من نفوسهم الحقد والحسد وحبّب إليهم فعل الخير يا ربّ العالمين.

اللهم آمين