إن الله عزّ وجل قد منّ على الإنسان بالنِّعم الّتي لا يمكن أن يُحصي عددها أو يعطي حقّها ويقدّر قيمتها إلّا بعد فقدانها ومن أهم هذه النّعم الرّبانية هو العقل، والله خلق كلّ شيءٍ فأحسن خلقه وأبدع تكوينه وكيانه فقد وهب الله للإنسان تلك النّعمة ليتفكّر في خلقه ويشكر له ويميز الخيرَ والشّر والنور والضّلال وغيرها ممّا لا يُعدُّ ولا يُذكر من نِعَم.
ولانّ الله خلقَ كلّ شيء بمقدار لا يمكنُ أن نتساءل ونقول: لماذا كذا وكذا ...فلم يعطي للإنسان إلّا عقلاً واحداً وأنفاً واحداً لكن ذكر في كتابه العزيز في سورة البلد قوله " ألم نجعل له عينَين ولساناً وشفتَين وهديناهُ النّجدين " الآية 8\9\10
ولذلك فلا مكان للتساؤلات في هذا الشّأن لأنّ كلّ مخلوقٍ له وظيفةٌ محدّدة ولِكلِّ عضو له دورٌ مختلف بحدِّ ذاته لكن جميعها تتّصل بالقلبِ الّذي إذا صلُحَ صلُحَ معه الجميع وإذا فسد فسدَ ما دونه.
جميع النّاسِ لها عقول، أي أنّ لكلِّ شخصٍ ملكٌ هو المسؤول عنه بكيفِيّةِ الحرصِ عليه أو إهماله وأنّه لا يُمكنُ أو بعبارةٍ أصدق المفروض ألّا يمتلكَ أحدٌ شيئاً غير عائدٍ له وهذا ما دعاني للتّطرُّق والحديث عن هذا الموضوع.
لِنقُل أنّ شابّاً اغضبَ أباه وهو ليس بالولدِ البّارِّ وليس بالّذي يؤدّي حقوق الوالدين كما يجب ثمّ أمر الوالد بطردهِ من البيت حتّى يتوبَ عمّا فعل بكلِّ ندمٍ وأسف ونيةٍ صادقة مفادها عدم العودة إلى ما فعله مرّةً أخرى.
ما إن مضت بضعُ ساعاتٍ حتّى بدأ الشّاب يحدِّث نفسه بالذّنب الّذي ارتكبه بحقّ والديه وأنّ ما فعله ليس صائباً وهو بالعودة إلى منزله الرّحيم، وفي الطّريق التَقَى أحد أصدقائه وقد رأى على وجهه الحزن والبؤس، ثمّ مسكَ من يده ليحكي له قصتّه وسبب اكتئابه وسوء حاله من النّدم.
لم يُعجَب صديقهُ أيضاً ممّا حصل لكن أخذ التّدابير اللّازمة لحلِّ تلك القضيّة وقال: لا عليك يا صديقي فأنت أعزّ صديقٍ لدَي بل أخٌ عزيز فاترك النّدامة واليأس ولا تدع الأحزان تسيطِر عليك فتُهلِك نفسك، تعال معي فَلكَ عندي بيتٌ أفضل من بيتِكم ونقودُ بقدرِ مالِ قارون ولباسٌ يليقُ بملكٍ مثلك و...و....واستمرّ الحديث واللّهو حتّى اللّيل ثمّ انطوت أحداثُ الصّباح وبدت كأن لم تكُن واستسلم الشّاب إلى أقوالِ الشّيطان البشري ووساوسه الخبيثة وفي الوقت نفسه كان والدهُ الطّيب ينتظره بعدما طردهُ وقد أحسّ بالذّنب لفعلِه رُغم أنّ ابنه من ارتكب الخطأ وانقلبت النّدامةُ على الأهلِ بحسرةٍ حرقت قلوبهم وجعلت دموعهم أنهارا.
يا تُرى ما الّذي حدث ولماذا وما الأسباب والنّتائج ؟؟ ومن هنا نلخّص معظم أحداث يومنا هذا بموقفِ ذلك الشّاب وأهلهِ المظلومين لأن ما حدث هو بِفعلِ شيطانٍ من الإنسِ وذلك أيضاً سببُ لِعدمِ انتصارِ العلمِ على الجهل والخيرِ على الشّر والحقِّ على الباطل لأنّ ما تفعلهُ الشّياطين هو خداعُ النّاسِ وحتّى الشّياطين الأصغرِ منها معاً وإغراؤهم للانقيادِ وراءهم نحو الهاوية ومنعهم من تقديرِ مصيرِ أنفسِهم فكم كان كبيراً وثميناً تحمُّلُ نتائجِ حجبِ العقولِ وشراؤها وخداُها.
فلنأخذ عبرةً ممّا حدث لنا ولمجتمعِنا وأمّتِنا ودعونا نكُن أصحاب أنفسنا بعقيدةٍ مستقِلّة ونثبتَ للعالمِ أنّنا قادرين على تدبير أمورنا وتحقيقِ مصيرنا لأنّنا أجدرُ بذلك فلا يمكِنُ أن يعيش إنسانٌ بجسدِه كلِّهِ دون عقلِه لأنّنا لو فكّرنا للحظةٍ ما الشّعورُ الّذي يحسّه ذاك الإنسان سنجدُ أنّه ميّتٌ يمشي بلا حسٍّ أو شعور.