كتبها : عبدالله الصقعبي
إلى ابني ، في يومه وعامي الأربعين
حينما تبلغ سن الأربعين يابني , ستحس بإحساس غريب ، وكأنك انتقلت من بلد إلى بلد ، من البادية إلى الحاضرة ومن بساطة الريف إلى عقدة المدينة، فلا الأيام أيامك التي عشت ،ولا الأرض أرضك التي ألفت ، مثقل بالرغبات ومحدود في المسارات , ستجد نفسك كالذي وصل قمة جبل, وجلس برهة يتأمل آلاف الأيام التي مشاها , والجسور التي عبرها ، يابني، دون تجارب عمرك و لا تنساها , فإن أدركت نعم الله فيها عليك فاشكرها ، وإن لم تدركها؛ فتداركها بالتعداد والحمد ،فذلك أرجأ أن يحفَظَها الله لك , في سن الأربعين يابني أنت أمام تحديات كبرى لم تعهدها ،ولكن هُيئت لها ، ومسؤوليات عظمى فكن يابني لها, لذا ..فكر بالخطوة أكثر، ولا تتهور ،وإن عزمت فتوكل دون تتردد….و احذر!! فلم يعد لديك فائض قوة لتضيعها, أو مزيد وقت لتفرط فيه ,فأنت في الجولة الأخيرة، سترى أن كل شيء محسوب ومعدود,والذي يذهب من صحتك قد لا يعود ،ستنذرك الطبيعة بشعرات بيض فلا تتجاهلها ، أنت في الربيع الأخير ، فاقطف من ثمره ماستطعت .
إن العالم يابني في زماني، قد تقارب واتصل ، فكأن يومي أعيشه متنقلا من مجلس لمجلس كل يعرض لي بضاعته ، وأظن في زمانك يابني قد تعز الخلوات ويقل التفكر في المآلات ، فإن كان ذاك ؛فجالس الصالحين والناجحين وأهل المروءات ، وخذ بضاعتهم وتأثر بهم ، ولا تهمل نصائح الشيوخ، فقد سبقوك في رحلة العمر ،شاورهم ،انصت وافهم مايقولون، وخذ من قولهم ماتريد لا مايريدون ، فلهم زمانهم ولك زمانك ، جالس أصحاب التجارب وشذب أفكارك ، وزن كلامك ، وارتفع عن سفاسف الأمور ومجالس اللهو والهوى ، اجلس مع أولئك الذين يفكرون ويتأملون ويراجعون ، لا مع من يتناقلون الأخبار والقيل والقال ، وإذا فتح الله العالم أمامك وذابت حدوده وخالطت من غير جنسك ، وامتزجت حولك غرائب الطباع والثقافات ،فزن الأمور بميزان عقلك وحكم دينك، وابتعد عن هوى النفس ، فـإنها تعبث بالعقل وتلبس عليه ، فإن تمكنت منك نفسك ، كنت صاحب هوى ، تخلط الصالح بالفاسد ، و تابعا لا متبوعا .
يابني لا تفعل شيئا وأنت غاضب ، تعلم كيف تزيله دون أن تكسر قلوب من حولك ،أو تؤذي نفسك ، فحينما تفقد من صحتك شيئا أو يموت من تحب فجأة ، ستدرك أنه لا يوجد ما يستحق الغضب، ستعلم أنك كم كنت سخيفا حينما قضيت يوما من حياتك مشحون القلب معطل العقل معكر المزاج ، يابني كن سهلا سمحا صبورا عفوا ، وابتغ الأجر من الله لا من أحد ، تجنب الوحدة من غير فتنة، ولا تعتد على العزلة ، فالْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، احفظ الجميل لتكون حياتك أجمل ،أحسن الظن دون غفلة ،واحذر من المنة ، لا تذكر معروفك لأحد و لاتعامل الناس إلا بالحسنى ، إن السعادة يابني في داخلك ، في رضاك عن نفسك ، في التزامك بأركان دينك ، في علاقات الطيبة مع الآخرين ، في عطائك.
يابني, في يوم ولادتك دخلت الحضانة لكي أراك , كان فيها عشرات الأطفال الذين خرجوا في لحظتك , تتشبثون في الحياة , قدراتكم محدودة ومتشابهة ، ولكني أثق حينما تصل عامك الأربعين، أنكم مختلفون تماما : فريق صنعته الحياة كماشاءت ظروفها , وفريق صنع نفسه كما يريد هو , فأيهم أنت؟ أَفترضُ أنك يابني في عامك الأربعين لديك تجارب هائلة كونتهاخلال العشرين سنة الماضية سنوات النضج الأولى,والآن أنت في عام الحصاد , كل شيء لديك لابد أن يكون واضحا ومكتملا,لن تُعذر حينما تتخذ قرارا خاطئا في حياتك , لأنك تعيش في مستقبلك الذي أعددت .
لتعلم يابني أنه في كل يوم تقترب من العافية أبتعد عنها شهرًا لذا ؛حين تبلغ عامك الأربعين , التفت إليَّ فإن كنتُ يابني معك سأكون في أمس الحاجة لقوة شبابك ،ورشد عقلك ،ومشورتك، فلاتبخل علي فيهما ولا تقل لي يوما لماذا فعلتَ! كذا أو لو كنت كذا! فلقد اجتهدت مع والدتك أن نختار لك الأصلح والأفضل وماكان ذاك إلا بتدبير ربك ,وإن كنتُ قد رحلت عنك فلا أقل من أن تزور قبري وتدعو لي بدعوة صالحة ، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا .