ليبيا وهزات حكومات الميراث الثقيل !
كنت ممن لا تعجبهم سياسية الأمانات الليبية في إدارة شؤون الدولة الليبية وكنت أقول بأن مجمل المشاكل كانت تكمن في فشل شخصيات وقيادات دولة الجماهيرية الليبية.
لكن ومع الأسف الشديد كنت في اشد مأخذي مع النظام الجماهيرية الليبية السابق قبل أحداث فبراير من عام الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة العربية وحولها الى الاهتزازات الأخلاقية والقيمية من مدى تراكم الميراث الثقيل في السينين الماضية.
تعود اليوم ليبيا الى مجمل تلك المشاكل والتحديات الى عهد الجماهيرية من النظام السابق في مسيرة نهج وخطاء بتغير في المسميات من الأمانات الشعبية الى الوزارات الدولة الليبية و فشل مؤسساتها المعنية ببناء الإنسان الليبي من جديد.
كل الجرائم وفي مقدمتا آفة الفساد وازدواجية الولاء الوطني تعود لهذا العيب والفشل في بناء الإنسان الليبي المليئة بالتملق والتزلف وما يعانيه الناس من عدم صرامة أداء الحكومات الليبية في عموم القطاعات الحكومية الليبية.
عملية مركبة ومعقدة من النظام السياسي السابق الى النظام السياسي الحالي، احد أسباب صناعة انحسار دور مؤسسات التربية والتعليم في تصريف مهامهما الدستورية وأداء رسالتها المهنية الوطنية الليبية.
أما الحروب الأهلية في ليبيا فكان خطأ بيننا وكارثة لم يحسب لها الحسابات الدقيقة، رغم المبررات الموضوعية والإستراتيجية والتاريخية عند توحيد الوطن وتوحيد المؤسسات الدولة الليبية ولكن في النهاية كان لا خيار للأقطاب السياسية إلا أن تستمر في النازع على السلطة والثروة والسلاح.
ما يدفعنا نحن اليوم في ليبيا هو الى التركيز على البعد التربوي في جامعاتنا وكلياتنا ومدارسنا التعليمة وإظهار صورة التعليم التربوي بالشكل اللائق الذي يحتاجها الواقع الجديد في ثورة الشعب الليبي ثورة السابع عشر من فبراير لتكون بعدها من بناء أسس وقواعد ومن منطلقات تربوية رصينة.
اهتزازات القيمية والعلمية تمس المجتمع الليبي وهنالك مشكلة كبيرة بين الشعب الليبي والحكومات الليبية المنقسمة على نفسها في الشرق والغرب والتي يراد لها أن تتحد لتكمل التضحيات التي بذلها الأجداد والإباء التي كانت ولزالت تعمل على بناء دولة ليبيا الواحدة الموحدة تحت الشرعية الدستورية الليبية.
ترددت وتراجعت الحكومات الليبية عن السبيل الصحيح من وحدة الشعب الليبي، وهي أعراض لمرض الاهتزازات القيمية والعلمية وهذا يعني المشكلة كبيرة وخطيرة تأسست على مرور عقود من الزمن على أيدي النخبة الليبية المتعلمة والواعية في عهد النظام الجماهيرية الليبية السابق الى عهد ما بعد ثورة السابع عشر من فبراير المجيدة.
المهام والمسؤوليات التي تنتظرها ليبيا غير طبيعية وان المشكلة ترتكز على كل الأبواب الصحة والثقافة والآداب والفنون في إسقاط الاستبداد ومنع رجوعه الى ليبيا مهما كان الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الليبي من محاربة التطرف الفكري.
التطرف انعكس وشوش على المفاهيم الدينية الحقيقية، وليس التطرف هنا في التضحيات التي قام بها الشعب الليبي عندما قدم التضحيات الزكية للتأكيد على وحدة ترابه وصون مقدراته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ليبيا يجب أن تكون رقعة الانتصارات وليس الهزائم والهزات في جميع المعارك التنمية لتحقيق حلم الليبيون الوطنيون وبناء دولتهم التي تقوم على أساس الدستورية الليبية في مبادئ الحرية والديمقراطية والانتخابات القائمة على الشرعية الدستورية.
الدستورية الليبية هي العامل الأساسي في تحيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهي من أولويات عمل الدولة واستراتيجياتها وشغلها الشاغل لترميم ما افسد في الماضي وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية لحلق مساحات واسعة لمشتركة الأقطاب السياسية في ليبيا.
القوى السياسية الليبية الواعية هي التي تحقق المزيد من التوافق والتفاهم والانسجام الذي يصنع التماسك واللحمة الوطنية الاجتماعية الليبية ويحقق السلم الأهلي بإشراك الجميع من أبناء ليبيا بوجهة الدولة الليبية المستقرة.
غياب نشاطات القوى السياسية من خلال عملها في إطار النظام السابق من تهميش الأحزاب السياسية في عملية إجهاض للديمقراطية المباشرة، جعل من النظام السياسي السابق يفقد مكانة وقدرته في التعامل لتحيق التوافق السلمي في المجتمع الليبي.
اليوم نسعى ليبيا الى الدولة الدستورية التي تتكون من أبنائها وبناتها في العمل والمشاركة باستثناء رفع السلاح بوجه الدولة الليبية ومن ممارسة الإرهاب والعنف والقتل والتخريب ضد الوطن والمواطنين، والحوار هو الطريق الصحيح والوسيلة المكملة للعمل الديمقراطي السلمي لفك خيوط الأزمة الليبية وإخراج ليبيا من عنق القتيلة التي وضعت فيها.
بقلم الأستاذ رمزي مفراكس