(تلات بنات معهن شمسيه، وناس عم يحدلو سطوح بعيد)
البنات: شتّي يا دنيي شتّي
شتّي عا حقلة ستّي
مخطوط بيد عاصي الرحباني، بالقلم الحبر الأخضر..
***
لا مفر دائمًا من أن أجد رابطًا عجيبًا كل مرة.. هذا شيء أقوى مني، العقل يعمل بمفرده تبعًا لهواجسه.. تشاهد فيلمًا فتربط تاريخ الانتاج بتاريخ أحد الأعمال.. تقرأ في حوارٍ لها أنها أُعجبت بفيلم Funny girl، حسنًا، صار لزامًا عليك أن تشاهد الفيلم.. تُرى ما الذي أعجبها فيه؟ وأين شاهدَتْه؟.. بالتأكيد كانت مع عاصي.. الفيلم موسيقيّ وبه استعراضات.. تُرى أيّة ألحان استفزّت عاصي، هل أوحت له المشاهد ببعض الأفكار والنغمات؟.. وماذا عن شكل الاستعراضات على المسرح في الفيلم- باربرا سترايسند في الفيلم تجسد دور نجمة استعراضية حقيقية- وتوزيع الممثلين والراقصين والديكور؟.. عمق المسرح واتساعه..
"بعلبك اتهدمت" هكذا يقول الصوت، بينما نواح العذارى يخلق هارموني أوبرالي.. في "البعلبكيّة" تقرر الآلهة الرحيل عن المدينة الخربة، والعودة مرة أخرى إلى السماء، ولكنهم يريدون أن يأخذوا معهم الفتاة البعلبكية البسيطة ذات الصوت الساحر.. ويدور الحوار والأخذ والرد بين الآلهة والناس البسطاء الذين لا يودون أن تفارقهم البعلبكية..
لمحة تعيدني لأوبرا الفالكيري لفاجنر 1870.. حزن الآلهة وأساها، والأقدار المأساوية المرسومة.. ترفض "برونهيلده" الفالكيري الجميلة القوية (الفالكورة كما يتم تعريبها) أمر أبيها "فوتان" كبير الآلهة، وتتخلى عن امتيازاتها الآلهية، والحياة في نعيم قصر "فالهالا" وتختار الأرض، والتجرد من قواها الخالدة، رغم نحيب أخواتها ومحاولتهن إثنائها..
نهاية مشهد "رحيل الآلهة" من أوبريت "البعلبكيّة" للأخوين رحباني 1961.. ترفض الفتاة االبعلبكيّة الذهاب مع الآلهة، وتفضل البقاء على الأرض.. تزمجر الآلهة غضبى مع الريح الشمالية معلنة أوان الرحيل.. يتعالى النحيب المنغّم، أصوات الرجال تبطّن نواح النساء "يا حَور بعلبك ميل.. تلوّى ع الريح وشيل".. بينما جبل صنين يكاد كبده يتمزق وأحجاره تتفتت من ألم الموقف "عم بيشلّق صنين، ويبرُد غاب الشربين".. تنشق السماء، وترتفع سفينة الموكب البهيّ، وسط صخب الرعد وأضواء البرق..
"يا نجوم اللَّيْل عَ الأَرْض انْشِلْحي.. يا أبواب اللَّيْل ضِجّي وانْفِتحي.. للرَّحْلة للرَّحْلة للرَّحْلة.."
مع هدير الأبواق الصارخة تبتلع غيوم السماء السفينة وتنغلق عليها، تاركة المشهد في عتمٍ وصمتٍ مهيب..
***
تطوف الفتاة البعلبكية على الأزمنة المختلفة.. تمر بين الناس.. تُحيي سهرة قمرية عاطفية بأغانٍ خجول لفتاة قروية بسيطة، تهاب الحب وتتمناه "دخيلِك يا إمي، مِدري شو بِني!!" "مين قال حاكيتو، وحاكاني ع درب مدرستي؟!!".. ثم تصادف العود، ليخبرها قصته، ويحملها إلى قصور الرخام والنوافير، حيث تستعيد وحي الأندلس والموشحات..
في الفصل الرابع، جزء النواطير، تطل فيروز " الفتاة البعلبكية" من جديد، خلفها يجلس عاصي الرحباني، أحد النواطير، ممسكًا ببزقه، هائمًا عليه.. تغني البعلبكية قصيدة "كم بنفسجي".. تستعيد السيدة فيروز تلك اللحظة العتيقة، وتقول ضمن ما روته في وثائقي "كانت حكاية" عن عاصي الرحباني:
"مرة ببعلبك، كان عِندي موّال "تخمين راحت حلوة الحلوين؟" كان يرافقني فيها ع البُزُق.. قعد حدّي ع المسرح، وكان نَفَسه أد ما كان قوي، خوَّفني كتير.. كان خايف عليّي يمكن.. ما بعرف، ما سألته بس.. لأني ما كِنت حافظة منيح، كان محفِّظني ياه، وغنيته دغري بالليلة...."
"تخمين راحت حلوة الحلوين؟" القصيدة التي صاغها ميشال طراد على هيئة أسئلة حيرَى ذاهلة متلاحقة تخطف القلب، عن الحلوة التي راحت، واستفهامات معلقة بلا أجوبة كلها لهفة وحسرة.. من هذه الأسئلة ما تم اختصاره:
ولا عاد تتمرجح بعِبّ الضباب؟
بالتوتة الحمرا،
وتزلغط السمرا،
تسابق هالحساسين دغشات الغياب
ولا عاد رح تلعب على التلّي
وتحيّك عقود الزهر
ولا يداعبا هاك النهر
وتداعبو، ويخطفلها السلّي؟
نصيخ السمع لفيروز؛ وطالع عريشة، يمتزج النَفَسان معًا، معششة فيها الطيور، الزمن متجمد والأسطوانة دائرة، مطرح ما هرّت دمعتا، ويهرّ البزق مع الصوت الشجيّ، وبعدُن بيحكوا حكايتا، وإلى آخر الزمان، هَونيك، كم بنفسجي خلف الصخور، بضع زهرات بنفسج....
بعد الموال، تغني فيروز لحن "يا كرم العلالي" لفيلمون وهبي، وترقص الصبايا في السهرة على بزق عاصي الذي مازال جالسًا.. تختتم فيروز الوصلة بالأوف مع نفس التيمة الفلكلورية الافتتاحية للموال، يوقّع عاصي على البزق، بينما يتصاعد عنين القصب.. طبعًا it has nothing to do with Phelemon Wahbeh
***
خَبِّرني خبر، عن ليلة السهر، عن قصة القمر، ع سطوح ضيعتنا...