Image title
أطفالنا ومشاهدة التليفزيون

تعظيم استفادة أفراد الأسرة من مشاهدة التلفاز!

حتى ننقذ أبناءنا من سلبيات المشاهدة التليفزيونية

بقلم

محمود سلامه الهايشه

كاتب وباحث مصري

[email protected]

ما دام الأبناء سيجلسون أمام التلفاز وبصحبتهم الزوجة لساعات طويلة لمشاهدة المسلسلات والأفلام الدرامية: العربية منها والأجنبية؛ سواء لانجذابهم لها، أو لأنهم في الإجازة الصيفية من الدراسة، أو لعدم وجود متنزهات أو أنشطة يمارسونها، مما يؤدي إلى الكثير من التأثيرات السلبية عليهم، سواء العضوية أو النفسية أو الاجتماعية، قد يصل الأمر لإدمان مشاهدة التلفاز، التوحُّد مع برنامج أو مسلسل بعينه، تقمُّص دور إحدى الشخصيات، اتخاذ أحد الأبطال أو البطلات قدوة يتم تقليده في كل شيء، اكتساب عادات وسلوكيَّات اجتماعية غير سليمة، وقد تتعارض مع العادات والتقاليد والأعراف التي تسود المجتمع الذي نعيش فيه، خاصة تلك المسلسلات المدبلجة القادمة من دولة تختلف وتبعد عنا في كل شيء جغرافيًّا وثقافيًّا، مما يُهدِّد الأمن والسلام الاجتماعي لأفراد المجتمع، ويُحدث التفكُّكات الأسرية والمجتمعية.

وهناك الكثير من المشاهد والجمل الحوارية التي تقال داخل تلك الأعمال الدرامية ويشاهدها المتلقِّي بعينه وتسمعها أُذنَاه بكل سهولة ويسر، وتمرُّ ولا يُلقي لها بالًا؛ ولكنَّها ذات وقْع كبير جدًّا، بل كارثي وتُخزَّن في العقل الباطن، ويتم تراكم تلك الأفكار السلبية، ويتمُّ استدعاؤها عندما يمرُّ هذا الإنسان بموقف مشابه للمُخزَّن داخل مخزن البرامج العقلية، فلكلِّعمل درامي معالجات؛ معالجة في السيناريو من الكاتب، ثم من المُخرِج، وأحيانًا من المُنتِج أو الجهة القائمة على الإنتاج؛ لفرض أيديولوجية معيَّنة يريدون بثَّها؛ لبرمجة المستهدَفين من المشاهِدين عليها!

وبناءً على ما سبق، فماذا يفعل الأب ووليُّ أمر أسرته الصغيرة؟ فهو الراعي والمسؤول عنها، ولا بدَّ أن يكون له دور ومسؤوليَّة في ظل هذه السماوات المفتوحة، وتنافس كل قناة فضائية ومشاركتها في تربية أبنائه معه؛ فلم يعد لأبنائنا اليوم في القرن الحادي والعشرين والدان فقط (أب وأم)!، بل أصبح لكل ولد وبنت مئات الآباء والأمهات تشاركهم التربية والتوجيه والنصح والإرشاد، وذلك عبر كل وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة التي تتطور بشكل مُذهِل كان في الماضي القريب شيئًا من الخيال العلمي المستحيل تحقيقُه على أرض الواقع.

وبما أن المجتمعات العربية لا تقرأ؛ حيث أصبح يُطلق عليها "أمة اقرأ لا تقرأ!"، وأن المواطن العربيَّ هو أقل إنسان حول العالم في معدَّل ساعات القراءة في العام، والتي لا تتخطَّى عدة دقائق لا تتجاوز اليد الواحدة، ومعنى ذلك أن من لا يقرأ لا يكتب، وإذا كتب يكتب ما ليس له قيمة، وتلقَّى المعلومات بسهولة ويسر عن طريق تقديم وجبات معرفية وفكرية جاهزة "معرفة تيك أواي!"؛ مما يعني إدخال ملوثات وسموم معرفية داخل عقول الصِّبية والمراهقين من الجنسين، حتى نصل إلى تنشئة وإخراج أجيال مدمَّرة في صحَّتها الفكرية والمعرفية، شباب غير قادر على التفكير السويِّ السليم؛ لعدم تربيته على إنتاج الفكر بل استهلاكه فقط، وعدم الاستفادة واستغلال العقل بتشغيل الأجزاء الخاصة بالنقد والتحليل وعملها، بتنمية وتطوير التفكير الناقد؛ وذلك بسبب عدم استخدام المستويات العليا من التفكير، لا في التعليم ولا في التربية، بل استخدام المستويات الدنيا فقط التي تتركَّز على الحفظ والاستظهار والتلقين والاسترجاع دون فهْم أو تحليل أو تركيب؛ لذا يستطيع مذيع إحدى برامج "التوك شو" مدرَّب جيدًا ودرس علوم الصحة النفسية والبرمجة اللغوية العصبية أن يُؤثِّر ويُقنع ويبرمج عشرات الملايين من المشاهدين خلال سويعات قليلة يجلسها أمامهم في الصباح أو المساء!

يشترط ويضع وليُّ الأمر شرطًا على الأبناء حتى يشاهدوا هذا المسلسل أو ذاك الفيلم أو ذلك البرنامج، ألا وهو كتابة تقرير ليس بالطويل ولا بالقصير عن أحداثه أو الفكرة التي تناولها أو المشكلة التي ناقشها، وما هو رأيه الشخصيّ فيما شاهدَه وسمعَه، وذلك في ورقة مكتوبة وليس بشكل شفوِيّ، ومن مرَّة لأخرى، سوف يتطوَّر أداء هذا الولد أو تلك البنت، وسوف يجلس الأبناء للمشاهدة والتفكير الإيجابي، وليس للمشاهدة السلبية وبدون تفكير، أو كما يقال مشاهدة من أجل المشاهدة، أو مشاهدة من أجل إضاعة وملء الوقت، فهذه الطريقة سوف تُنمِّي التركيز والانتباه لدى الأبناء، وتُطوِّر أسلوبهم في الكتابة الواعية الناتجة عن النقد والتحليل مما يزيد من التفكير الناقد، وتُحبِّب الأولاد في التدوين، ثم يجلس الأب أو الأم مع الأبناء في مساء كل ليلة أو في اليوم التالي؛ لمناقشة ما كتب في هذه الوريقات، والتركيز على كل ما هو إيجابي، ورفض كل ما هو سلبي، مما يجعل الأبناء يحذفون أو يضيفون جملًا وعبارات لتقاريرهم؛ ولتشجيعهم على ذلك نحفِّزهم لنشر تلك الكتابات على صفحاتهم وحساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، وإذا كانت بعض الموضوعات ذات مستوى راقٍ، يتم تحفيزهم ونصحهم بإرسال تلك المشاركات إلى باب القرَّاء الموجود في كافة الصحف الورقية والإلكترونية، ويمكنهم إنشاء موقع في صورة مدونة؛ حيث إن هناك الكثير من المواقع الكبرى التي تستضيف المدونات، وبذلك يصبح كل ابن أو بنت في الأسرة كاتبًا/ة، صحفيًّا/ة، مدونًا/ة، ناقدًا/ة....وهكذا، وبالتالي نعظِّم الاستفادة من الوقت المهدَر من مشاهدة الشاشات، وإعمال العقْل وتشغيله بما هو مفيد ونافع، وتنمية القراءة والكتابة لدى أبنائنا؛ لإخراج جيل قادر على اتخاذ قراراته بنفسه، لا ينتظر غيره في بلد أخرى يأخذها له!