هذا حديثٌ قديم دارَ بيني وبين خنزير بشكلٍ حيٍ ومباشر - بلغةِ العيون - في أول لقاء مع معشر الخنازير وجهًا لوجهٍ لأول مرة في حياتي !!!
*******************************
- "هل تعلم يا سيد سليم أننا نحن معشر الخنازير نحب المسلمين ونحترمهم!، بينما أنتم المسلمون - وخصوصًا العرب منكم - لا تحبوننا ولا تكنون لنا أي احترام !"
هكذا باغتني أحد الخنازير بهذه العبارة الغريبة الصادمة، وهو يحدثني بلغةِ العيون في أول لقاء تاريخي لي بشكل حي مباشر لأول مرة في حياتي مع خنزير وجهًا لوجه! ، قال لي ذلك بعد أن رآني أنظر اليهِ بعينين يتطاير منهما الشرر لشدة الحقد والغل والقرف والاشمئزاز حتى كما لو انني على وشك التقيوء! ، ذلك الخنزير الذي التقيته ذات مرة حينما ذهبتُ في نزهة الى مزرعة لتربية المواشي هنا في بريطانيا! ، وأتذكر أنني حينما نظرتُ اليه شعرتُ للوهلة الأولى بردة الفعل المعتادة والمُكتسبة من خلال التربية الدينية الاجتماعية (الشعبوية/التعبوية) لدينا نحن المسلمين حيال معشر الخنازير والتي تُصوِّر لنا في المخيال الثقافي الشعبي أن الخنزير حيوانٌ ملعونٌ قذرٌ مطرودٌ من رحمة الله (عليه من الله ما يستحق!) وهو من (المغضوب عليهم ومن الضالين!)(عدو الله ورسوله الى يوم الدين!) و(عميل للشيطان الرجيم اللعين!) وأن (المسيح عليه السلام) يوم ينزل الى الأرض في آخر الزمان، فإن أول مهمة سيقوم بها هنا - بيديه الشريفتين - هي قتل وإعدام هذا الحيوان الخائن المقزز الملعون وسط تكبير المسلمين وتكبيرهم وهتافاتهم!... هكذا احسستُ في نفسي نحوه للوهلة الأولى بحكم أنني مسلم عربي تربى على كراهية الخنازير إلى حد الحقد الدفين كما لو أننا بيننا وبينه ثأر قديم من أيام (حرب البسوس)! أو كأنه هو سبب اخراجنا من الجنة الأولى وطردنا من ذلك الفردوس!، أو كأنما الله تعالى قد أنزل في محكم كتابه العزيز آية تقول: ((يا آيها الذين أمنوا إن الخنزير لكم عدو فأتخذوه عدوًا إلى يوم الدين!)).. لهذا ما إن وقع نظري عليه حتى اشمئز قلبي واستشاط غضبي واستعذتُ بالله منه ومن شره وتبرأت منه ومن وجهه الشرير الكريه ثم هممتُ بأن أبصقَ في وجهه بصقةً كبيرةً بشكلٍ عنيف، بصقةً قويةً من كل اعماقي وبكل طاقتي مصحوبةً بصوتٍ مسموعٍ مجلجلٍ يشبهُ الشخير والنخير! ، بصقةً حارةً مِلءَ فمي تُعبِّر عن كلِّ ما أحمله من حقد موروث على أمة الخنازير اللعينة القذرة قبّحها الله حيث حلتْ ونزلتْ!!، بل - وبعد أن شعرتُ بكل هذا الحنق نحوه ذاك الخنزير - فإنني كدتُ أن أصيح بأعلى صوتي في وجهه الكريه بكل غضب :
- يا كافر !، يا زنديق، يا عميل إبليس!، يا ملعون!، يا خسيس، يا ربيب القاذورات والعلوج ، قبح الله وجهك، فلتخسأ وليخسأ الخاسؤون!.
نعم !، صدقوني والله كدت أن أهمَّ بفعل ذلك للوهلة الاولى ولكنني سرعان ما تمالكتُ نفسي وعدتُ الى عقلي - أو ربما عقلي هو من عاد لي أو هو من أعادني إليه ! - فوجدتني أشْكم نفسي وألْجم غضبي على الفور مما سمح لي بأن استمع لصوت تفكيري ونداء ضميري خصوصًا بعد أن رأيتُ ذلك المخلوق المسكين والحيوان المهين وهو يرمقني انا شخصيًا، بشكل خاصٍ، بتلك العينين الحزينتين البائستين، من دون كل من كانوا يحيطون به من كل جانب من المتفرجين! ، ثم سرعان ما شعرتُ بأنه أخذ يُرسل الىّ - بعينيه الكسيرتين - نظراتٍ مُرمَّزة (مشفرة) تحمل الكثير من المعاني!، فكأنما قد قرأ ما كان يجول ويصول في رأسي من أفكار عدائية عنصرية وحاقدة على أمة الخنازير برمتها، صغارها وكبارها وبكل اصنافها!، حيث رأيته قد نكس رأسه قليلًا نحو الأرض كما لو أنه يريد بذلك اجتناب تلك النظرات النارية المعادية المنطلقة من عيني المحمرتين نحوه كالمدفع الرشاش، ثم ما لبث أن رفع نحوي بصره بعينين بائستين وهو يرمقني في حزن وألم وانكسار بل وبشيءٍ من اللوم والعتاب كما لو أنه يقول لي: (حتى أنت يا حاج سليم!؟)، ثم بعد لحظات من انقطاع الارسال شعرتُ فجأة بأنه أخذ يتمتم بكلمات غير مسموعة، فاقتربتُ منه قليلًا فهمس في أذني و قال لي:
- "أعرف انكم معشر المسلمين تكرهوننا جدًا نحن معشر الخنازير وتعتقدون أننا حيوانات قذرة ملعونة تستحق الإعدام مثلها مثل الكلاب السوداء الملعونة بل أشد! ، مع أننا امة الخنازير من الأمم المسالمة ولم يسبق لخنزير واحد ان اعتدى على مسلم واحد! ، بل نحن معشر الخنازير ورثنا عن اباءنا واجدادنا حب واحترام المسلمين باعتبارهم أكبر مّنْ يدافع عنا وعن حرمة لحومنا وعن حقنا في الحياة البرية" !! .
قال لي هذه العبارات ثم اخلد للصمت وهو يتأملني بعينين حزينتين كعيني من جارت عليه الأيام ودارت عليه الدوائر، كما لو أنه كان يستجدي عطفي مع شيءٍ من عزة النفس!، فاستغربتُ من كلامه هذا وقلت له مستعجبًا في ارتباك محاولًا تجنب رائحةَ فمه غير المحببة :
- "كيف !!؟ بصراحة انا لم افهم ما تقصد بالضبط ؟ كيف أنكم تحبون المسلمين أكثر من غيرهم من البشر!!؟".
فابتسم ابتسامة خجولة كإبتسامة طفل بريء فقير شريد يعيش على قارعة الطريق لاحظ اهتمام أحد المارة به، ثم سألني بنبرة هادئة :
- "الستم ترفضون ذبحنا وتُحرِّمون أكل لحمنا؟ بل وتتشددون في هذا شدة ليس لها نظير" !!؟؟.
- "بلى" !
أجبته على عجل بنبرةٍ واثقة مؤكدًا صحة ما ذكره لي، فوجدته يردف قائلًا:
- "لهذا السبب بالذات، أنتم احب الناس الينا ونحن نراكم كأكبر حليف لنا على وجه البسيطة، فأنتم ترفضون اكلنا وتحرمون ذبحنا والتهام لحمنا، فأنتم إذن أكثر من يدافع عن حقنا في الحياة البرية!، على عكس القوم الذين يستبيحون ذبحنا وأكلنا ويعملون بنا حفلات شواء (برباكيو) بدون رحمة ولا شفقة!، فأنتم أشد رفقًا بنا من غيركم، وكل الخنازير تنظر إليكم بمودة وامتنان واحترام! فلماذا تكرهوننا كل هذا الكره العجيب وتحقدون علينا كل هذا الحقد الغريب وما نحن الا من مخلوقات الله المسالمة!؟؟"، "يا حاج سليم، صدقني، نحن مخلوقات من مخلوقات الله لحومنا شبيهة بلحوم الكلاب ولحوم القردة ولحوم البشر، هذا كل ما هنالك!، لهذا حرّم الله عليكم أكلنا لهذا السبب أي لأننا لا نصلح لكم، أما الكلاب والقردة فأغلب البشر ينفرون من أكلها بالفطرة بعكسنا نحن فقد سوّلت لهم انفسهم أكلنا فأكلونا!، اذ غلب صوت حاجتهم وشهوة بعض الناس في زمن ما على صوت فطرتهم فزلّتْ عقولهم وضلّت عن معرفة وفهم أن لحمنا نحن معشر الخنازير لا يصلح لهم!، لهذا أنزل الله تحريم أكل لحمنا بنص صريح ولم ينزل نصًا صريحًا في تحريم أكل الكلاب والقرود، فالفطرة تمج ذلك! ، فما هو ذنبنا - إذن - حتى تكرهوننا كل هذه الكراهية وبكل هذا الشنآن إلى درجة القذف والبهتان والتشهير بنا واتهام بعضكم لذكورنا بأنهم يتصفون بالخنوثة او الدياثة والزعم بأننا قوم قوادونىلا يغارون على إناثهم!!، لا لشيء الا لأن الله حرّم أكل لحومنا!؟؟، أما اذا كان الأمر متعلق بالروائح الكريهة - يا حاج سليم - أو مسألة (الرمرمة) فحتي معشر (الدجاج) أكثر و أشر منا في هذا الامر!، فقط اذهب و زُر حظيرة الدجاج وستعرف وترى وتشم هذه الحقيقة الملموسة!، فلماذا - اذن - تستلطفون معشر الدجاج ولا تستلطفوننا نحن معشر الخنازير!!؟، وكلانا مخلوق من مخلوقات الله وآية من آياته العجيبة!!؟؟ ، ثم لماذا لا تكرهون القردة أو الكلاب مثلما تكرهوننا وبهذه الدرجة التي وصلت الى حد الحقد الدفين واتهامنا بكل ما هو قبيح ومشين وتشويه سمعتنا بمناسبة وبدون مناسبة والغمز واللمز في تصرفاتنا الفطرية!؟ أم لأن القرود والكلاب اشطر منا في لعب دور المُهرج حيث تظل تعمل لكم حركات هزلية مضحكة حتى تضحككم وتسليكم وتكسب مودتكم، لهذا أنتم راضون عنها وتحبونها ولا تشمئزون منها كما هو حالكم معنا نحن معشر الخنازير!؟؟"، " يا حاج سليم نحن مخلوقات بسيطة من الحيوانات (الكادحة) التي ظلمها البشر واستعملوها لغير ما خُلقت له، فالله خلقنا لا للأكل بل لأمور أخرى، علمها من علمها وجهلها من جهلها!، ولحمنا لا يصلح لكم أنتم البشر!، فلحمنا كلحم القردة والكلاب لا يصلح لكم، فأنا الخنزير عبارة عن فأر وجُرذ كبير لا أكثر ولا أقل!، ولهذا حرّم الله عليكم أكلنا، فلماذا تكرهوننا كل هذا الكره كما لو أننا من ابناء الشياطين او كأننا نحن من تسبب في خروجكم من الجنة!؟ بينما أنتم والله أحب أهل الأرض إلينا جميعًا، فلم يقمْ مسلمٌ قط باستباحة دمنا وذبحنا وأكلنا منذ قرون مديدة!!؟؟".
هكذا وشوش لي في أذني ذلك الخنزير المسكين بنبراتٍ متوددة مستعطفة بتلك العبارات المؤثرة، فعجبتُ لأمره بل شعرتُ بالحرج من هذه الكلام العاطفي المؤثر والمقنع الذي ذكره لي وهو ينظر إلي ّبعينيه الوديعتين اللتين ترقرقت فيهما الدموع وشع منهما الشيء الكثير من الصدق العميق والطيبة الطبيعية!، فما كان منّي الا أن اعتذرتُ له بلغة العيون وأعلنت له عن تعاطفي المحموم معه كمخلوق من مخلوقات الله البديعة و(الجميلة)، والجمال له وجوه وزوايا متعددة قد لا يبصرها كثير من الناس - وربتُ بيدي على رأسه في عطف وحنان ووعدته خيرًا وبأن أنقل رسالته هذه إلى (منظمة العالم الاسلامي) وإلى جميع المسلمين لعلهم يغيرون نظرتهم لمعشر الخنزير ويتعاملون معه كمخلوق من مخلوقات الله كغيره من الحيوانات الأخرى كالكلاب والقردة التي لا يحل أكل لحمها للناس، لا كما ينظرون إليه منذ قرون على أنه عدو للمسلمين وحيوان ملعون مطرود من رحمة الله او عدو شيطان لا يستحق الرحمة والاحسان!!!.
وهكذا انتهى الحوار بيني وبينه ولكنني حينما كنتُ في طريقي لمغادرة المكان التفتُ بشكل سريع وعابر وألقيتُ نظرة أخيرة نحو ذلك الخنزير المسكين ورأيتُ في عينيه شيئًا ًمن السرور والمودة والأمل والامتنان، فقال لي بلغة العيون شاكرًا : (جزاك الله، خالقي وخالقك يا حاج سليم، الرحمن الرحيم خيرا ً!! ) فقلت له : (ربنا يكون في عونك، وعوننا يا صديقي!)، ثم انصرفتُ وذهبتُ في حال سبيلي أسبّح بحمدِ الخالق الحكيم في بقية طريقي!!.
سليم نصر الرقعي
https://www.facebook.com/salimragi
رمضان 2018