الانهيار الفوضوي!

بقلم/ محمود سلامه الهايشه

كاتب وباحث وأديب مصري

[email protected]

Image title
قصة للطلائع عن بعضا من حياة نحل العسل


كلَّما دَخَلَ المنحلَ يجدُ أعدادَ النحْلِ في تناقُصٍ مُستمرٍّ، فالنحلُ يهجرُ الخلايا ولا يعودُ لها مُطلقًا، يتفحَّص الخلايا يلاحظُ تصرُّفات غريبة لشغَّالات النحْل، فأصبحتْ هذه الخلايا تحتوي على عددٍ أقلّ من الْبَيْض، لم يَعُدْ هناك إنتاجٌ للعسل نهائيًّا!

لا يمرُّ أسبوع، إلا ويأتي بأحدِ الخُبراء في تربية النحْل؛ لكي يأخذَ استشارته في تلك الكارثة، وكل مرَّة يُرجِعُ أحدُهم تلك الظاهرةَ مرة للفيروسات أو للطُّفيليَّات أو للمُبيدات الحَشَريَّة التي يرشُّها المزارعون أصحاب الأراضي المجاورِة للمنحل أو للمحاصيل المعدَّلة ورِاثيًّا التي تُسْتَزْرَعُ في السنوات الأخيرة أو للتغيُّرات المناخيَّة التي أحلَّتْ بالبلاد، لكن في نهاية الأمر لم يصلْ أحدٌ منهم إلى السبب الحقيقي للمشكلة، ظلَّتْ أعدادُ النحل تنخفض بشكلٍ مُخيفٍ، اتَّصلَ بَمن يعرفُهم من أصحاب المناحل، يسألهم ويشاورُهم دون جَدْوَى؛ لأن هذه الظاهرة لم تظهرْ عندَهم من قَبْلُ، فهي حالة غريبة لم تعرفْها المناحلُ.

نصحَه أحدُ الأصدقاء بأن يبحثَ على الشبكة الدوليَّة للمعلومات عن سلوكيَّات النحل، وما قد يطرأُ عليها من تغيُّرات، إلى أن توصَّلَ لدراسة علميَّة قامَ بها مجموعة من العلماء الهنود بجامعة "البنجاب"، حيث أكَّد الفريقُ البحْثي عن إمكانيَّة إلقاء اللومِ على الهواتف المحمولة فيما يتعلَّق بالانخفاض الحادِّ في أعداد النحْل حولَ العالم.

فانْتبَه إلى أنَّ هناك عِدَّة محطَّات لتقوية الهواتف النقَّالة تحيطُ بمنحله في الحقول المجاورة، فاستكملَ قراءة الدِّراسة، حيث عزَّزتْ تجاربُ الباحثين من تلك الفرضيَّة، حيث وضعوا في خَليَّة النحْل هاتِفَيْنِ محمولَيْن، تَمَّ تشغيلُهما مَرَّتين في اليوم لمدة رُبْعِ ساعة في المرة الواحدة، فيما وَضَعُوا في خَليَّة أخرى جهازًا مُغْلقًا، اكْتَشَفُوا بعد ثلاثة شهور انخفاضًا كبيرًا في أعداد النحْل في الخَليَّة التي تَمَّ وضْعُ الهواتف المشغَّلة فيها، فاندهشَ صاحبُ المنحْل، عندما قرأَ التغيُّرات التي حدثَتْ في سلوكيَّات النحْل، والتي تَمَّ رصدُها من قِبَل هؤلاء العلماء الهنود، كأنَّهم يتحدَّثون عن منحَلِه وما حدثَ فيه، لدرجة أنَّهم أطلقوا على تلك الظاهرة اسم: "الانهيار الفوضوي لمستعمرات النحْل"!