الليبرالية كفلسفة اجتماعية تقوم على أساس تعظيم الفرد وتقديس حقوقه وخصوصيته وحريته وممتلكاته الشخصية، فالفرد هو حجر الأساس في المجتمع والدولة، والأفراد هم الوجود الحقيقي، وما قام المجتمع وما قامت الدولة إلا من أجل حماية هؤلاء الافراد وحقوقهم وحرياتهم وممتلكاتهم!، لهذا لا يجوز للمجتمع والدولة المساس بحقوق الافراد الطبيعية كالحرية الشخصية والملكية الخاصة، فهذا هو الأساس والمنطلق في الليبرالية، وعلى هذا الأساس تم بناء الليبرالية في الاقتصاد وفي السياسة مع اختلاف بين مدرسة ليبرالية وأخرى في المدى المسموح به للدولة لتتدخل في حرية الأفراد وحرية الاقتصاد عند الضرورة!.
***
الليبرالية الاقتصادية الكلاسيكية ترى أن "مصلحة المجموع تتحقق من خلال محاولة كل فرد تحقيق مصلحته الخاصة!" وأن السوق يمكنها بقوانينها الذاتية كقانون (العرض والطلب) وقانون (الثواب/الربح، والعقاب/الخسارة) أن تدير عجلة الاقتصاد وتحقق العدالة في التوزيع بدون حاجة لتدخل الدولة، فيكون دور الدولة فقط هو ضبط النظام العام وحراسة الاملاك والحقوق الفردية من أي اعتداء والفصل بين المتخاصمين..هكذا كانت الليبرالية الاقتصادية الكلاسيكية تقول ولكن الممارسة الفعلية كذّبت كل هذه المقولات الرومانسية المثالية فلا السوق تمكنت من ادارة التنافس بشكل عادل وفعّال ولا تحققت العدالة والمصلحة الاجتماعية بشكل تلقائي!، وظل الفقراء يزدادون فقرًا والاثرياء يزدادون ثراءً، مما تسبب في ظهور (الشيوعية) كحل جذري استئصالي راديكالي مخيف يهدف لا إلى الاصلاح بل إلى اجتثاث الرأسمالية من أصولها!، أي الغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والغاء الربح والتجارة واعتبارها ظاهرة استغلالية وأن الاعتراف بالربح اعتراف بالاستغلال!، بل ودعا بعض الشيوعيين المتطرفين إلى الغاء حتى النقود!.. بحيث يكون الانتاج جماعيًا وتقاسم ثماره اجتماعيًا بالتساوي (من كلٍّ حسب طاقته ولكلٍ حسب حاجته!).. وهنا وتحت تأثير تداعيات الفقر في أوروبا وظهور غول الشيوعية تفتق العقل الاوربي الذكي عن تطوير للنظرية الليبرالية التقليدية (الكلاسيكية) في الاقتصاد ونقلها من الوجه الفرداني الأناني المتوحش لليبرالية إلى الوجه الانساني الاجتماعي، فكانت النتيجة هي ظهور الليبرالية الاجتماعية أو الاشتراكية التي هدفها تحقيق الرفاه الاجتماعي العام، حيث بات للدولة الليبرالية الديموقراطية دور أساسي في سد الفجوة بين الاثرياء والفقراء ورعاية الطبقات الأقل دخلًا!.
***
الليبرالية الاجتماعية هي غير الليبرالية الطبيعية ذات النزعة الفردية المتطرفة، فالليبرالية الاجتماعية يطلق عليها البعض الليبرالية (الاشتراكية)، وهي نتاج تزاوج الافكار الليبرالية بالأفكار الاشتراكية الاجتماعية ظهرت كسد منيعٍ في مواجهة الشيوعية ونجحتْ بالفعل في بناء (دولة الرفاه الاجتماعي) أو (دولة الرعاية الاجتماعية) في غرب أوروبا وتحقيق قدرٍ جيد من العدالة الاجتماعية دون الغاء الرأسمالية ولا الملكية الخاصة لوسائل الانتاج والتجارة والربح كمحفز طبيعي للسوق وبالتالي للاقتصاد، فإذا كانت الليبرالية الكلاسيكية تقول: (دعه يعمل، دعه يربح)، فالليبرالية الاجتماعية المطبقة حاليًا في اوروبا الغربية تقول: (دعه يعمل، دعه يربح، وخذ من أرباحه في صورة (ضرائب الدخل) ما يسد الفجوة بين الاثرياء والفقراء وما يحقق الرفاه العام)!!، أي على طريقة الاسلام (الأخذ من الأغنياء شطرًا من مالهم ورده على الفقراء بشكل دوري منظم عن طريق الزكاة).
سليم الرقعي
2018