أنا مقتنع تمامًا بأن قراءة الأخبار هي اسوأ من ان لا تقرأ شيء على الإطلاق. ليس هناك أي دليل على ان قراءتها تجعلنا اكثر حكمة او اكثر معرفة او حتى تساهم في جعل اتخاذنا للقرارات في حياتنا افضل. لاشيء. وإن كان من قراءتها شيئًا فهو عكس ماذكرت تمامًا.

أردت كتابة هذا المقال منذ فترة طويلة، غالبًا لأنني اصبحت محبط من صديقي الذي يظن انه مثقفًا لأنه يقرأ الصحف و يعلم مايحدث في العالم من حولنا. ولأجل تلك الفتاة التي تعلم كل مايدور عن المشاهير والتي صُدمت عندما عرفت بأنني لم اعلم شيئًا عن الصور المسربة لـ "جينيفر لورانس".

منذ ان قمت بالتوقف عن قراءة الأخبار اشعر بأنني اصبحت اكثر تحكم في أفكاري (اختار ما أفكر به على الأقل)، أصبح لدي عادات قراءة افضل (استمتع بالقراءة المطولة التي تحفز عقلي للتفكير)، اصبح لدي الكثير من الوقت لأقضيه في اشياء هادفه وبكل تأكيد اصبحت اكثر تفاؤلاً من قبل.

لذلك قررت بأن اقوم بالبحث وذُهلت عندما وجدت العديد من الأسباب للإبتعاد عن هذه الغريزة الإستهلاكية. توقعت ان اجد حججًا بأن الأخبار مضللة للعامة ومضيعة للوقت .. لكن سامة لأجسادنا؟ تُغير من بُنية عقولنا؟ تزيد من اخطاءنا المعرفية وتعطل التفكير؟ يبدو ان هذه الأسباب تستحق ان نتوقف عندها.

رولف دوبلي -المؤلف السويسري الشهير- قال مرة: على عكس الإنتباه المحدود الذي نقضيه في القراءة المطولة، المتعمقة، البطيئة والهادئة (المهمة والمطلوبة لتحفيز التفكير لدينا) قمنا بتشكيل عقولنا لهذه الومضات السريعة الكبيرة الصاخبة والقصص الدرامية ومكننا عقولنا من ابتلاع محتوى لا محدود منها. ليست فقط وسائل الإعلام بل انظر من حولك، ابتداءً من بروباغاندا الحكومات وصولاً للشركات التسويقية. نراها كل يوم في "فيسبوك" و "تويتر" كل تغريدة تصرخ استدعاءًا لإنتباهك لها وتغرينا مقابل "ضغطة زر".

في هذا الوقت حيث الأخبار والمقالات الدفوعة التي تعتمد في دخلها على "عدد المشاهدات"، عندما اصبح العنوان الرئيسي اكثر أهمية مما يحتويه، عندما اصبح الجميع بإمكانه ان يصبح مراسلاً صحفيًا، وجب علينا ان نكون حذرين لما نستهلك وان نكون اكثر وعيًا بالجوانب السلبية منها والتي تنعكس علينا كأفراد ومجتمع.


العقل البشري وحتى بعد كبر سنه يبقى مرنًا، مما يعني القدرة الهائلة على التكيُّف و -حرفيًا- التغيير من بُنيته نتيجة الخبرات المسبقة وبيئته وسلوكياته. نقضي الكثير من وقتنا في افعال اصبحت عادات. تقليب الصور، مشاهدة مقاطع الفيديو، عناوين الأخبار المتطايرة، الروابط التي تتم مشاركتها معنا. مع هذا الكم الهائل من المعلومات تُشكِّل ادمغتنا نفسها للتعامل معها لأنه وفوق كل هذا نقوم بالإستهلاك اثناء اداءنا لأعمال يومية.    نقرأ الصحيفة اثناء تناول الإفطار، نستمع للأخبار اثناء قيادة السيارة، نقرأ عناوين الأخبار اثناء تقليب قنوات التلفاز، نقرأ "تايم لاين تويتر" خلال تأديتنا لوظائفنا.

نحن ببساطة نقوم بتدريب الدماغ على عادة الإبتعاد عن الهدوء والإستقرار بأداءنا لمهامنا بنصف تركيز وتشتيت انفسنا واضعافنا لقدرتنا على الفهم، ونقوم بترسيخ هذه العادة اكثر بشكل طردي مع استهلاكنا لهذه الأخبار.

بالرغم من كل ذلك لا اعتقد ان هذا هو السبب الذي يجب لأجله ان نقلق. بالنسبة لي، السبب هو ببساطة السلبية. اعتقد حقًا بأننا نستهين بالتأثير الذي يخلفه المحتوى المتشائم على وعي الفرد وعلاقتنا كمجتمع. او كما قال الكاتب جيمس كلير: عندما تتعرض لجرعة زائدة من المعلومات والأخبار التي لاتهمك ولايمكنك التصرف حيالها، يصبح من السهل ان تعرف لماذا نرى اشخاص يرددون على مسامعنا "هذا الكوكب لعين"او كيف ان "هناك من يجب من ان يقوم بإصلاح الأمور"    او "لماذا تبذل جهد عندما لايمكنك تغيير شيئ؟".


الفقر، الجوع، جرائم القتل، الحروب، الإرهاب، الحوادث، شائعات المشاهير. بصراحة انا لا احتاج لمعرفة كل هذا ولا انت تحتاج لذلك. اعلم انك ربما تقول بأن الأخبار مهمه لأنها تبقينا على إطلاع بالعالم من حولنا، ولكن قبل ذلك اود ان تسأل نفسك هذه الأسئلة: هل هذا الإطلاع يحسن من حياتك بأي شكل من الأشكال؟ عائلتك، اعمالك، او حتى مهنتك؟ هل هذه الأخبار هي فعلاً صورة واقعية للعالم من حولك؟ هل في قراءتها تحفيز لذهنك للتفكر؟ هل في قراءتها تحفيز لأن تغير شيء؟ فكر في الأمر. خلال العام الماضي هل غير حياتك خبر قرأته؟ بطريقة ما لو لم تقرأ هذا الخبر لكانت حياتك الشخصية او العملية مختلفة عمَّا هي عليه الآن؟

لنقل انك تتذكر الآن ذلك الخبر الذي قمت بقراءته وكان مهما جدا لحياتك. كم مرة من المرات تتوقع انك ستمر بنفس الخبر مرة اخرى؟ الإحتمال ضعيف. وهل تعقد فعلاً ان كان هذا الخبر مهمًا لحياتك فلن تسمع به من زميل، صديق، او حتى شخص من افراد عائلتك؟

علينا ان نبحث في الأمر وان نتحدث عنه ونشاركه. المعلومات تكون مهمة اذا كانت تدفعنا لأن نصنع ونبني ونشارك او نجرب شيء جميل. هذا العالم لايحتاج اناس سلبية لأن تكون على اطلاع، بل يحتاج الى اناس فعَّاله لأن تكون على معرفة. لذلك اُغمر نفسك عميقًا في المواضيع التي تهمك أنت.

اذا كان عقلك مُتخم بالأفكار عن كيفية موتك غدًا فإنك لن تفكر في طريقة عيشك اليوم. اذا اردت ان تعرف شيئًا عن مشكلة ابحث عنها فقط لأنك تبحث عن حلها. المشاكل معقدة والطريقة الوحيدة لفهمها هي ان تتوسع بقراءتها في المقالات المطولة والتحقيقات الصحفية. وتذكر ان لاتبحث عن مشكلة لا تملك تأثيرًا عليها.

كن على دراية، لاتكن على إطلاع.
اقرأ الكتب، المجلات، المقالات المعقدة، استمع للبودكاستز المفيدة وتابع المقاطع المُلهمة. لاتخف من ان تفوتك العناوين الرئيسية في صحيفة اليوم، فالحصول عليها سهل والحديث عنها للسطحيين.
كن شجاعاً لأن تتكلم عن امور اهم وابدأ محادثات ذات معنى.


نحتاج الى المزيد من الصحفيين المخلصين في كتابتهم للقصص الصحفية المهمة وذات المغزى، وهذا لن يتحقق مادمنا نشارك المقالات والأخبار الغير متعلقة بنا على تويتر.
نحن نحتاج للمزيد من الأشخاص الذي يقدرُّون القراءة المطولة التي تثير عقولهم.