مآلات الوعي العربي أمام محور الفرس: قراءة في مسار الصراع وتكريس الوعي


في منتصف القرن العشرين، كتب الشاعر الدمشقي نزار قباني في رائعته "مفكرة عاشق دمشقي" قائلاً:


> سقـوا فلسطـين أحلاماً ملونةً

وأطعموها سخيف القول والخطبا




كانت هذه الكلمات تندد بالواقع المليء بالشعارات الفارغة والتزييف المتعمد باسم "القضية الفلسطينية". منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، ظلت فلسطين الورقة الأكثر استغلالاً في الصراعات الإقليمية، حيث تُستخدم للتلاعب بعواطف الجماهير وتبرير مشاريع لا تخدم سوى مصالح النخب السياسية الحاكمة أو القوى الخارجية. وبينما كانت بعض الأنظمة العربية ترفع شعارات "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، استُخدمت هذه الشعارات كوسيلة لقمع الشعوب وسرقة خيراتها، وإسكات أي صوت معارض بتهمة الخيانة أو العمالة.


وعي مضلل وقضية مسلوبة


لم يكن من الصعب على النخب السياسية إدراك من يتاجر بالقضية الفلسطينية، لكن الخوف من قمع السلطة، و جموع الغوغاء ممن صدق تلك الشعارات الزائفة جلعت النخب تقف عاجزة . كانت الشعارات الجوفاء تُستغل لتخدير الشعوب، وإقناعها بأن مقاومة العدو الخارجي تبرر قمع الداخل، وأن أي صوت معارض هو تهديد للأمة.


غير أن مسار التاريخ لا يمكن إيقافه، ومع مرور الوقت بدأت الأمور تتكشف. لقد أسهمت الثورات العربية، وبالأخص الثورة السورية، في إحداث تحول جذري في الوعي العربي. الثورة السورية، التي بدأت كحركة ضد نظام مستبد، لم تكن مجرد صراع سياسي؛ بل كانت ثورة وعي. كشفت زيف الأنظمة التي تتاجر بالقضايا القومية، ووضعت أمام الشعوب مرآة تعكس حجم الخديعة التي عاشت فيها لعقود.


الربيع العربي: تحولات الوعي والكشف عن المحاور


منذ بداية الثورة السورية، تصاعدت أصوات المفكرين والمثقفين الذين لطالما خنقتهم آلة التخوين والتهم الجاهزة. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منبراً للأحرار، حيث تقف الآلاف من السوريين، ومعهم الأحرار من لبنان والعراق واليمن والخليج، متحدين ألة الإعلام التي عملت لعقود على غسل أدمغة الشعوب بشعارات جوفاء. مع بزوغ هذه الأصوات، باتت أكاذيب النظام الإيراني وحلفائه أكثر انكشافاً، وبدأ محور الشر الذي طالما تلطى خلف شعارات المقاومة في الانهيار.


الإعلام الذي طالما روج للمشروع الإيراني، مثل قناة الجزيرة وغيرها، بات عاجزاً عن إخفاء الحقائق. لقد سقط القناع عن المشروع الإيراني وأدواته في المنطقة، وتبين للعلن أن الشعارات التي ترفعها طهران ليست سوى غطاء للتوسع والسيطرة.


المشروع الإيراني: الهيمنة تحت عباءة المقاومة


المشروع الإيراني في المنطقة لم يبدأ اليوم، بل يعود لعقود مضت. دخلت إيران إلى العراق على ظهر الدبابة الأمريكية، واستغلت الفوضى التي تلت الغزو لتحويل العراق إلى ساحة طائفية، حيث هُجّر أهل السنة، وانتشر الجهل والخرافة في بلد كان يوماً منارة العلم والسياسة والشعر. في نهاية المطاف، وقفت الميليشيات المدعومة إيرانياً لحماية مصالحها، وأعدمت رئيس العراق صدام حسين تحت حماية القوات الأمريكية.


لم يكن الأمر مختلفاً في سوريا؛ حيث دعمت إيران نظام بشار الأسد، وأدخلت أكثر من ثلاث وأربعين ميليشيا طائفية لسحق الشعب السوري وتهجيره، وكل ذلك تحت شعار "طريق القدس". أما في اليمن، فدعمت طهران الحوثي، مما أدى إلى تحويل البلاد إلى ساحة صراع طائفي يخدم مصالحها التوسعية، إذ باتت اليمن ورقة ضغط بيد إيران على دول الخليج.



في لبنان، البلد الذي كان يوماً يُعرف بقبلة المثقفين والشعراء وصوت الحرية، تدهور الوضع بشكل مأساوي. أصبحت البلاد رهينة لميليشيا "حزب الله"، الذي يسيطر على المطارات والموانئ ويمنع تشكيل الحكومة لسنوات. في النهاية، وصل لبنان إلى الإفلاس، وتحول الشعب اللبناني إلى شعب يكافح للحصول على قوت يومه.


التحول في الوعي: كسر شوكة التزييف


طوال هذه السنوات، ظلت بعض الشعوب التي لم تتجرع مرارة المشروع الإيراني تتشبث بتبريرات وشعارات فارغة. غير أن الأحداث الأخيرة، وتحديداً في 7 أكتوبر، أسقطت هذه الأقنعة بالكامل. لم تعد الأكاذيب تُجدي نفعاً، ولم يعد هناك مبرر لمن يتشدقون بشعارات "تحرير الأقصى". أين تلك الصواريخ التي قتلت شعوب المنطقة؟ أين الجنود والطائرات التي صدّروا بها الخراب والدمار؟


سقطت كل هذه الأكاذيب، ووجد الأحرار في المنطقة فرصة لاستكمال معركة الوعي، وهي المعركة التي لا تقل أهمية عن المعركة السياسية أو العسكرية. إن الوعي العربي اليوم أصبح أكثر نضجاً، وأكثر استعداداً لكشف الأكاذيب والتصدي لمشاريع الهيمنة.


الثورة السورية: انتصار الوعي وفضح المحور الإيراني


لقد كانت الثورة السورية المباركة أكثر من مجرد ثورة ضد نظام استبدادي؛ كانت ثورة وعي، ومرآة كاشفة لكل الأكاذيب التي روجها محور الشر الإيراني. بفضل هذه الثورة، تمكن الأحرار من الوقوف في وجه التزييف، وجعلوا هذا المحور مكشوفاً أمام الشعوب.


الانتصار الحقيقي للثورة السورية لم يكن في الميدان فقط، بل في كسر حاجز الصمت والخوف، وإعطاء المفكرين والمثقفين والشعوب القدرة على التعبير عن حقائق طالما كانت مخفية.


معركة الوعي مستمرة


في النهاية، تظل معركة الوعي معركة مستمرة. لقد انتصر الأحرار في كشف محور الشر الإيراني، ولكن المهمة لم تنتهِ بعد. إن معركة الوعي تحتاج إلى جهد متواصل، واستمرار في كشف الأكاذيب وتفكيك الشعارات الزائفة.


الثورة السورية، ستظل نقطة تحول في مسار الوعي العربي، وستبقى رمزاً لانتصار الحقيقة على التزييف، وحرية الشعوب على الاستبداد والطغيان.