من القصص البديعة التي قرأتها في طفولتي قصة عن صبي رسام امتلك فرشاة سحرية تتحوّل الرسومات بواسطتها إلى واقع، فإذا رسمَ بيتًا انفتح بابه واتّسعت مساحاته، وإذا رسم حصانًا انطلق يعدو خارج اللوحة، وإذا رسم نقودًا سمع رنينها... فصار يستخدم الفرشاة في مساعدة الفقراء، يرسم لهم ثيرانًا تساعدهم في الحراثة، ونقودًا تعينهم على الحاجة... حتى ذاع صيت الصبي فسمع عنه الحاكم واستدعاه ليرسم له جبلًا من الذهب، لكن الصبي رفض، فحبسه الحاكم في السجن وصادر فرشاة الصبي لصالح أحد الرسامين الذي رسم شجرةً تُثمر بالنقود على جدار بيت الحاكم، لكن الشجرة لم تتحول إلى حقيقة، فأعادها الحاكم إلى الصبي الذي تظاهر بالانصياع للحاكم، لكنه استغفله واستغل مَلَكَته السحرية ورسم على جدار السجن بابًا تحوّل إلى باب حقيقي مكنّه من الهرب... خارج السجن؛ صار الصبي يعتاش من بيع رسوماته التي لا يُكملها، فقد كان دائمًا يترك فراغًا في اللوحة حتى لا تتحول إلى حقيقة فيشيع أمره ويستدل عليه السلطان فيسجنه من جديد. 

في أحد الأيام كان الصبي واقفًا في السوق يرسم لزبائنه، رسم طائرًا وترك نقطة خالية في اللوحة، وفي اللحظة الأخيرة قبل تمام لوحته حدث اضطراب في السوق، لا أتذكر سببه، ربما حادثة سقوط، أو عراك... المهم أن الاضطراب والتدافع الناجم عنه طال الصبي فارتطمت يده باللوحة و زلّت فرشاته وأتمّت ضربتها الأخيرة/الناقصة، فطار الطائر من اللوحة وسط ذهول الجميع...

لا تنتهي القصّة هُنا لكنّ الصفحات الأخيرة من الكتاب الذي قرأت فيه القصة كانت ممزقة، ولذا فأنا لا أعرف نهايتها حتى اليوم، ويعجبني أنها ظلّت طوال هذه السنين قصة غير مكتملة في ذاكرتي، كلوحات الصبي التي يتعمد أن يجعلها غير مكتملة، فكمال لوحاته سيعيده إلى سجن السُلطان، وكمال القصص في ذاكرتي سيأخذها إلى سجن الرتابة ويجردّها من حرية التوقعات ومساحات الاحتمال، كما كان السجن سيُجرّد الصبي من حريّة الإبداع ولذّة اختيار موضوعه الفنّي. 

فلتحيا النهايات المفتوحة دائمًا، فليحيا النقص الذي يُحررنا من سجن الكمال.