أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري بإسناد من جمال عبد الناصر، في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في العام 1964م؛ لتحميلها مسؤولية تصفية القضية الفلسطينية مع كيان صيون، على أساس حل الدولتين: دولة يهودية تنتشر ديمغرافيًا وتسيطر سياسيًا وعسكريًا على معظم الأرض المباركة فلسطين، ودولة فلسطينية كسيحة هزيلة تقوم على حدود ما يُعرف بالرابع من حزيران / 1967م.

هذا وبعد الفراغ من السلام مع مصر، زاد الثقل الأميركي في المنطقة، وانتقل العمل إلى الجبهة الشمالية، فأوعزت أميركا إلى (إسرائيل) باجتياح لبنان وطرد منظمة التحرير الفلسطينية منه، فكانت حرب عام 1982م؛ حيث غزت (إسرائيل) لبنان وأجبرت عرفات على الرحيل عن لبنان تحت الضغط العسكري الإسرائيلي، والضغط الدبلوماسي الأميركي، إلى تونس. وقبل رحيله جاء وفد من الكونغرس الأميركي إلى بيروت وانتزع منه اعترافًا صريحًا بالكيان اليهودي، ليكون مقدمة لإبرام الصلح مع اليهود. ووقع عرفات في 25/7/1982م ما عرف بوثيقة ماكلوسكي التي قال عرفات فيها بأن: «المنظمة تعترف الآن بحق (إسرائيل) في الوجود» وقرأ عضو الكونغرس الأميركي ماكلوسكي أمام الصحفيين الوثيقة بحضور عرفات فقـال: «إن ياسـر عرفات وقع على وثيقة خطية بوصفه رئيسًا لمنظمة التحرير الفلسطينية تنص على أن منظمة التحرير تقبل بجميع قرارات الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية…» انتهى.

وبعد توقيع منظمة التحرير اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني في مدريد وأوسلو وما تبعها، واعترافها العلني بهذا الكيان، تحوَّلت المنظمة سياسيًا إلى سلطة تحت الاحتلال تأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، من غير أن يكون لها من السيادة حظ ولا نصيب! ومنذ ذلك الحين، وحتى يومنا هذا، والسلطة الفلسطينية حارس أمني للكيان الصهيوني وقطعان مستوطنيه، أسمى أماني كبرائها الصغار هو إنهاء عذابات الشعب اليهودي على أساس عقيدة (التنسيق الأمني المقدس). هكذا وبكل بساطة تحولت بندقية الرصاص إلى محبرة وقرطاس، وصُفِّدَت (صفد) بأغلال التنازل والاعتراف بيهودية الكيان المسخ المفسد للأرض والمدنس للمقدسات، واستُبدل السفاح السياسي بالسلاح الثوري، بل وصار ثوار الأمس سدنةَ التطبيع والتطويع، وأصبحت معركة التحرير منسفًا أُغرق بالمَرَق، ومُسخَّنًا بالبصل، وكنافةً نابلسية، ودفَّةً ومزمارًا ودبكةً شعبية، ومرثونًا وركضًا بل ورقصًا على عذابات شعبٍ مكبوت بين مطرقة اليهود وسنديان السلطة الوطنية الفلسطينية!