(محاولة للفهم!؟)
******************
الاحلام ظاهرة انسانية ثابتة منذ القدم واختلفت الناس في تفسير حقيقتها وطبيعتها، قديمًا وحديثًا، شرقًا وغربًا، ولا شك أن المبالغة في التعلق بالأحلام ومحاولة تأويلها امر غير مفيد حاليًا خصوصًا إذا حاول المرء أن يبني عليها مواقف أو خيارات!!، فهذا أمر غير حكيم!، الا اذا تقدم (العلم) بشكل دقيق وعميق وتغلغل في مكونات (دماغ الانسان) في المستقبل ووصل إلى مركز (صناعة الاحلام) في خلايا الدماغ واستطاع أن يفك (شفرة الاحلام) كما فك (شفرة الحامض النووي DNA وخريطة الجينوم) للانسان فذلك شيء آخر!، من يدري!!؟ فقد تكون عقولنا نحن البشر حالها حال اجهزة الكومبيوتر المتصلة بشبكة عالمية للنت!، أقصد أن تكون عقولنا كأجهزة حاسوب ذكية طبيعية خلقها الخالق هي أيضًا متصلة بشبكة بشرية أو كونية عامة بطريقة غامضة ومجهولة لا نفهمها!!، بحيث تحدث اتصالات ومحادثات (أحاديث) بلغة رمزية مشفرة بين عقول وأرواح البشر اثناء نومهم!، وربما بين عقول البشر والملائكة!، أو حتى بين عقول الجن والأنس بالخير أو الشر!!، أو بين عقولنا وعقول كائنات في كواكب في مجرة بعيدة!!... من يدري!؟؟[١] ، ربما يكتشف العلم في المستقبل البعيد بعض الحقائق التي نعتبرها اليوم خرافات!!، فلو أخبرت الناس منذ قرون عن الاتصالات اللاسلكية وأجهزة التحكم عن البعد بطريقة (افتح يا سمسم!) ربما ضحكوا عليك وقالوا لك : ( ارحم عقلك من قصص السندباد وعلي بابا !!) ولكن هاهو ذلك (السحر والخرافات) قد تحول اليوم إلى واقع ملموس فأنت تقول للباب (افتح يا سمسم) فيعرف عقله الالكتروني والآلي بصمة صوتك ويفتح لك باب بيتك أو باب خزنتك أو نور غرفتك أو حتى يشغل لك سيارتك!!... لهذا لا يمكن أن نستبعد ان بعض الرؤى والاحلام التي يراها الناس - و بغض النظر عن أديانهم وإيمانهم وأعراقهم وأعمارهم - تعكس نوعًا من (الرسائل المشفرة) القادمة من المجهول!، رسائل مشفرة تحتاج لمن يفك طلاسمها!، رسائل من عالم الموتى أو عالم الأحياء أو عالم الجن او حتى عالم الملائكة!!، ما يجعلني اقول ذلك هو ان القرآن الكريم وصف سيدنا يوسف - عليه الصلاة والسلام - بأنه يتمتع بموهبة الهية في ((تأويل الأحاديث)) !!؟؟ ولم يقل في ((تفسير الأحلام))!! فالأحلام هي ما يجري في الذهن اثناء النوم أو اليقظة من افكار وخيالات وأضغاث احلام !، فالأحلام حتى في اللغة قد تأتي بمعنى (العقول) كما قالت قريش عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : (إن محمدًا يسفه أحلامنا!) ، فأحلامنا هنا ليست بمعنى مناماتنا إنما تعني عقولنا!، وكذلك قوله تعالى (إذا بلغ الحلم) أي سن العقل والرشد!، لهذا فكلمة أضغاث أحلام تعني خليط من خيالات العقول التي تجري بشكل تلقائي أثناء النوم، فكما أن الجهاز التنفسي أو الهضمي يشتغل بطريقة طبيعية تلقائية لا إرادية، فكذلك مخيلة الانسان والتي تشكل إحدى دوائر العقل البشري الطبيعية الفطرية مع دائرة الحفظ والتذكر ودائرة الحساب ودائرة التقدير والحكم على الأمور، فهي تشتغل أحيانًا في اليقظة أو في المنام بشكل تلقائي لا إرادي فتتداعى فيها الأوهام والأفكار والخواطر والخيالات بشكل عجيب وتختلط وتنتج ما يشبه (الأفلام القصيرة) يراها المرء من الداخل على شاشة مخيلته سواء في يقظته (أحلام اليقظة) أو في منامه (أحلام النوم)!!.
فأضغاث الأحلام هي خليط من الخيالات واللقطات الذهنية التي يتم بثها على شاشة المخيلة في الذهن إما بتأثير الرغبات والرهبات المكبوتة للنفس أو ربما تأتي من (جهات خارجية؟) (عليا أو سفلى) أخرى - بشرية أو غير بشرية - وبطريقة موجية (طاقة) غير مادية أي كما يجري في أجهزة الاتصال اللاسلكي أو التلباثي لكن بطريقة مختلفة!!، اما (الأحاديث) فهي جمع حديث أي نبأ أو خبر!، فالأحاديث التي كان سيدنا يوسف أعطاه الله موهبة تأويلها وفك شفرتها هي أنباء واخبار او محادثات ورسائل مُرمْزة (مشفرة) ترد على ذهن الشخص وهو نائم!!!، والسؤال هنا: انباء واخبار ومحادثات ممن!!؟ هل من الملائكة ام من الجن ام أرواح الموتى ام عقول احياء اثناء نومهم أم كائنات أخرى لا نعرفها!!؟، أم هي أحاديث المدبرات أمرًا !؟ [٢] أي الملائكة التي كلفها الله بتدبير وتسيير أمور وأرزاق البشر على الأرض وفق أوامره تعالى وتوجيهاته وارادته العليا!؟؟، هل يمكن أن تصل تلك (الأحاديث) التي تجرى في السموات العلا بين الملائكة المدبرة لشئون البشر وفق تعليمات الله لبعضنا بطريقة مشفرة!؟ وكيف ولماذا!؟.. من الذي أوحى لذلك الملك بقصة البقرات السمان والبقرات العجاف!؟؟، تلك (الرسالة المشفرة) القادمة من المجهول والتي تحمل نبوءة عن المستقبل القريب فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي العام المرتبط بأحوال الطبيعة وبأن هناك موجة جفاف قادمة وستستغرق 7 سنوات؟؟!، بل وتحمل في طياتها (الحل العقلاني الرشيد) لمواجهة تلك الأزمات الاقتصادية التي ستحدث خلال الأعوام القادمة!!، فيما يشبه ما نطلق عليه في زماننا (علم التخطيط) والذي يقوم على ركنين : الأول توقع المستقبل، والثاني الاستعداد لمواجهته!... من أرسل تلك الرسالة لذلك الملك ولماذا!؟ ، نعرف أن لا شيئًا يقع إلا بإذن الله ولكن الله تعالى جعل هذا العالم المخلوق منتظمًا بقانون الأسباب!، وما حدث لهذا الملك حدث لغيره من قبله وبعده بشكل يدعو للدهشة!، شخصيًا مررت ببعض الأحلام التي حرتُ في تفسيرها! [٣]، رسائل تصلنا من المجهول عبر تلك الأحلام والاحاديث والخواطر والأفكار التي تترا وتتداعى على أذهاننا في يقظتنا ومنامنا!، حتى بعض الشعراء والأدباء يستغربون أحيانًا من تأليف قصص وقصائد وردت على عقولهم بما يشبه (الوحي)!!، ليس الوحي الإلهي بل هو وحي في صورة تداعي للخواطر والخيالات التي تتزاحم على العقل في لحظة الهام واستعداد وجداني معين يجعل أجهزة الاستقبال الذهنية في المخيلة في وضع الاستعداد لاستقبال تلك (الرسائل) من (المرسل) مجهول الهوية!؟.
الشاهد أن حياتنا بل وتركيبتنا نحن البشر مليئة بالأسرار الغامضة التي لم نكتشف بعد إلا القليل منها وقد يأتي زمان يصبح البشر يمارسون بعض التصرفات التي نعتبرها اليوم من الخوارق بشكل عادي ويومي من خلال انعاش ذلك الكم الهائل من الخلايا النائمة في أدمغتنا!!، تلك الخلايا التي تبدو لنا الآن كما لو أنها عاطلة عن أي وظيفة كما لو أنها زائدة دودوية!، وهذا محال، فالله لم يخلق كل ما فينا عبثًا بل كل شيء له وظيفة علمها من علمها وجهلها من جهلها!... ولهذا يبقى الباب مفتوحًا من حيث التدبر الفلسفي أو التكهنات في معرفة سر الأحلام وتلك (الاحاديث الغامضة؟) التي قد تصل لأدمغة بعض البشر بما يشبه الرسائل الرمزية المشفرة!، أما أنا شخصيًا فلا أثق الا في (العلم) والمنهج العلمي في دراسة الظواهر الانسانية بما فيها الظواهر النفسية بل وحتى الظواهر الغريبة والعجيبة (خوارق العادات) التي عاينت بعضها بنفسي كقدرة بعض البشر الخارقة للحساب وحل المعادلات دون أن يكون لهم أدنى معرفة مسبقة بالعلوم الرياضية!!، وهو أمر عاينته بنفسي أو تابعته في أفلام وثائقية، هذا عدا عن قدرة بعض الأشخاص على قراءة أفكار الآخرين في بعض الحالات وبعض الأوقات أو العثور على الأشياء الضائعة!!، وغير ذلك من ظواهر غريبة وغامضة ومنها ظاهرة ما يسمى بالاستحواذ حيث تستحوذ بعض (الكائنات والشخصيات المجهولة) على شخص فتتبدل أحواله ويظل يهذي بقصص غريبة مدعيًا بأنه شخص آخر غير صاحب الجسم الأصلي كما يحدث في تحضير الأرواح أو تلبس الجني بالأنسي وهي ظواهر عاينت بعضها وهي لازالت في طور الغموض وتحتاج إلى دراستها بالمنهج العلمي إذ أنها ظواهر ثابتة عبر أزمنة وأمكنة متعددة وفي كل المجتمعات حتى هنا في بريطانيا هناك جمعيات روحانية متخصصة في بحث مثل هذه الظواهر الغريبة!، مما يدل على وجود شيء ما يحتاج للدراسة والفهم والتفسير إما في عقل الانسان أو ربما في وجود كائنات غير مرئية ذكية يمكن أن تتطفل على أذهاننا كما تتطفل الديدان والجراثيم والفيروسات على أبداننا! .. ولهذا لابد اخضاع كل هذه الظواهر للمنهج العلمي العقلي الصارم ولكن (العلم) في زماننا لا يزال في طور المراهقة بل لا يزال يحبو ولن ينخرط في مثل هذه البحوث النفسية والذهنية بقوة وجدية حتى ينتهي من القضاء على الامراض التي تصيب الجسم بشكل شبه تام فهي الهم الأساسي اليوم والتخلص من مشاكل الفقر في الأرض حتى تأخذ الأرض زينتها وزخرفها قبل قيام الساعة كما ذكر القرآن الكريم ويتحقق الرفاه العام للبشر ويظن أهلها أنهم قادرون عليها، وهذا بكل تأكيد لن يحدث إلا بعد ألوف السنوات القادمة إن شاء الله!، ففي ذلك الوقت البعيد والمتقدم جدًا علميًا وتقنيًا، اتوقع ان العلم سيقضي وقتًا وجهدًا كبيرًا بعد أن فرغ من توفير الراحة المادية والصحة البدنية في دراسة ادمغتنا وعقولنا وافكارنا واحلامنا لمحاولة توفير الصحة النفسية والذهنية والاخلاقية للبشر!، وقد تكون عندئذ تلك (الحقائق) التي سيصل لها العلم - ومنها حقيقة وطبيعة (الاحلام) - حقائق اغرب من الخيال إذا تحدثت عنها اليوم لسخر منك الناس واتهموك في قواك العقلية أو وصفوك بأنك شخصية تعاني من الخرف!!، والله أعلم! ، فالقصة لم تنته بعد والمجهول في أنفسنا وفي الآفاق اكثر من المعلوم بكثير!.
--------------------
سليم الرقعي 2018
[١] في تأويل قوله تعالى : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الزمر:42) ذكر عدد من السلف ومن مفسرين القرآن كإبن كثير والقرطبي والبغوي وغيرهم أن أرواح الاموات والاحياء تلتقي أثناء النوم في الملأ الأعلى فتتعارف ما شاء الله لها أن تتعارف، فإذا أرادت الرجوع إلى أجسامها أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسامها إلى انقضاء مدة حياتها، هكذا يقول المفسرون!!، ومع أنني لا أدري ما مصدر ودليل قولهم هذا من الكتاب والسنة!، ولكنه أمر غير مستغرب!!.
[٢] قال تعالى: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا¤ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا ¤ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا } (النازعات:3-5)، فسر أغلب المفسرين (المدبرات أمرا) كما ورد في تفسير القرطبي بالملائكة وقال : "وروى عطاء عن ابن عباس: المدبرات أمرا أي الملائكة التي وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك".
[٣] مررت شخصيا بتجربة الأحلام الغريبة ومنها هذا الحلم التالي الذي حدث لي وأنا في الصف الاعدادي في مدينة اجدابيا - ربما عام 1979 - حيث رأيت فيما يرى النائم أنني تعرضت لقطع طرف اصبع من أصابع يدي وألمني كثيرًا ثم رأيت في الحلم بأن أخي الأكبر (فوزي) رحمه الله جاء لزيارتنا من مدينة بنغازي للاطمئنان علي ... هكذا كان الحلم، لقطة سريعة وقصيرة بهذا الشكل، فيلم وحلم قصير... ثم لإتفاجأ عند الظهر في اليوم التالي لرؤيتي لذاك الحلم بأخي فوزي وعائلته يأتون لزيارتنا بالفعل بدون سابق خبر من بنغازي!، فهو يومها لم يكن يملك خط هاتف أرضي في بنغازي والهواتف النقالة لم تكن خرجت للدنيا بعد، وما حدث بعد ذلك أعجب، فقد كنت يومها قد استعرت من صديق لي آلة (سينما ناطقة) ومجموعة أفلام ، وآلة السينما المنزلية في ذلك الوقت كانت غالية الثمن ولم يكن جهاز الفيديو انتشر بعد، وأخذت أعرض على عائلة أخي فوزي ما لدي من أفلام اغلبها كوميدية للتشارلي شابلن، ثم عك شريط أحد الأفلام فتوقفت الآلة عن العرض فأدخلت اصبعي في آلة السينما محاولًا تخليص شريط الفيلم الذي علق بالداخل فنتج عن محاولتي تلك كسر مفتاح تشغيل السينما من الداخل وهو من البلاستك!، وهكذا تعطلت الآلة وأصبح موقفي محرجًا جدًا فجهاز آلة السينما الناطقة كان من جهة غال الثمن ومن جهة غير متوفر داخل البلد أصلاً فكيف سأتصرف!؟، وأصبحت في حيص بيص وماذا سأفعل وبأي وجه سأقابل صديقي!؟؟، ولكن أخي فوزي رحمه الله وهو يمتاز بعبقرية غير عادية في تصليح الأجهزة الكهربائية والميكانيكية والسيارات والدراجات بل وفي اختراع الألعاب الكهربائية التي كان يصنعها لنا في طفولتنا، قال لي: (لا تخف!)، ثم ذهب لسيارته وأحضر حقيبة الأدوات (العدة) وبدأ بفك آلة السينما ودراسة مشكلتها ثم تمكن من تركيب طرف جديد من الحديد ليحل محل طرف البلاستك وشغل الآلة فاشتغلت!، وقال لي مازحًا وضاحكًا : ((هذه "المودفيكا" التي ركبتها للسينما بدل قطعة البلاسك تبيد السينما كلها وتظل هي صامدة!!) فوالله فرحت عندها بذلك فرحًا شديدًا بعد شعوري بذلك الحرج الشديد بسبب تحطم مفتاح تشغيل الآلة إذ أن صديقي ذاك أقسم لي أنه لم يعر هذه السينما لغيري من قبل وأنها إذا اصابها مكروه سيتعرض لمشكلة مع والده ولكن الله سلّم ولطف!!... الشاهد هنا أنني بت أربط في دهشة بين الحلم القصير الذي شاهدته في الليلة الفائتة وبين ما حصل للآلة في اليوم التالي ومسألة تصليح أخي فوزي لها !!... فماذا لو لم يحضر أخي فوزي في ذلك اليوم كيف كان يمكن إصلاحها!؟؟... هل كان حلمي ذاك وحدوث ما حدث لاحقًا مجرد صدفة!؟؟، لا أدري!!!.