في مجتمع يوصف بالمحافظ تارة والمتشدد تارةً أخرى ثم مع هذا التغيير فائق السرعة نحو الانفتاح كما يراه البعض ممن هو خارج السعودية وداخلها، تتقاذف العقول آراء لم تجد مُستقراً تثبت عليه لحكم قطعي تخرج معه بنتائج واضحة على الرغم من قطعية رأس الهرم السعودي في أن الحاجة للتغيير ليست نحو التشدد أو الانحلال وإنما ما بينهما وسطاً.

مرد الضبابية يحكمه اعتياد المجتمع داخلياً ومن هم خارجه على رؤية نمط مجتمعي محدد دينياً ومعيشةً وحتى سياسة خارجية منذ عقود ومعه ليس من الهين تقبل هذا التغيير السريع والكبير وهذا أيضاً يُبنى على عواطف جياشة أكثر من كونها نظرة واقعية تستشرف المستقبل كيف يُخطط ويُرسم وما يُتوقع لأن يكون.

يضاف لذلك ما يُدس لشحن بعض معارضي هذا التغيير ممن يخشى على مكتسباته على كافة الصُعد مما يُطلق عليه السعودية الجديدة لأنهم مع هكذا تغيير يخسرون مكتسبات دينية وسياسة واقتصادية كانوا يقتاتون منها بسبب النمط السائد في السعودية.

المحرك غالباً في الداخل بين كل هذا يتمثل دون أدنى شك في الخشية على ديننا الحنيف والرسالة التي نحملها مثلنا كمثل بقية المسلمين لكن ولأن السعودية مهد الرسالة ومستقر الحرمين الشريفين تكون الخصوصية والحِمل أكثر.

مما ينبغي النظر له أيضاً نظرة الأعراف والتقاليد السعودية الخالصة كيف كانت ثم كيف تبدلت ثم الآن كيف بدأت بالتحول، هل هي عودة لما سبق أم عودة جزئية أم هي تبدل مختلف عما سبق؟

المؤكد بين الأطوار الثلاثة ما كان وكان ثم ما هو كائناً الآن فترة زمنية قصيرة حملت تحولات سريعة وعنيفة إن أخذناها في قياس عمر الفكر والسلوك البشري ومع هذه التحولات نتلمس سبباً رئيسياً يعطينا مؤشر مبدئي لماهية عدم استقرار الآراء.

هذه نظرة عامة تختصر إشكاليات المجتمع السعودي والذي يمثل حالة فريدة جراء ما مر عليه.

إن ذهبنا "لبعض" معارضي عودة السينما ولن أقول جميعهم فهم يمثلون تياراً أقرب ما يُشار له بأنه يرفض أي عملية تغيير يُلبسون رفضهم بمظهر الدين الرافض لمثل هذه التغييرات، هل هم على حق مطلق أو جزئي أم لا في الحالتين؟

إن قمنا باستعراض مسار الأحداث الرافضة لكل عملية تغيير "فكري غُلفت بالدين" فسنجد من أهمها قضيتين كبيرتين في الماضي الأولى قضية تعليم البنات والثانية قضية جهيمان حتى وصلنا بعدها لعدة قضايا آخرها السينما وإن كانت لا تعدلهما بأهميتهما.

قضيتي تعليم البنات وجهيمان وما صاحبهما من أحداث أُشبعت طرحاً لذلك سندعها ونأخذ قضية الرفض حول السينما.

في السنوات الخمس والعشرين الماضية مرّت علينا قضايا مشابهة لها بدأت مع ظهور القنوات الفضائية ثم كاميرا الجوال وما صاحبهما من أخذ ورد حتى انتهينا بتبدل أغلبية آراء معارضيها وتسابق من تصدر تلك المشاهد في نهاية المطاف الظهور في القنوات الفضائية وحتى التصوير من كاميرا الجوال خاصة مع بروز تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي.

كل ذلك جزئياً لا يهم الآن ما دامت النظرة تغيرت لكن السؤال الذي يُطرح حالياً، هل السينما شرٌ لا بد منه ومعه يجب معارضته أم هي كمن سبقها؟

إن بنينا الإجابة على ما سبق من أحداث فهي في علم الحقائق لن تختلف عمّا سبقها "معارضة ثم تقبل ثم انغماس".

هل هذا يعني التسليم؟

ليست الإشكالية في التسليم بحد ذاته ولكن في "القدرات" في استغلال تواجد السينما الاستغلال الأمثل منذ البداية بدلاً من تكرار تضييع الوقت في الاعتراض والتقوقع في محيط فكري ضيّق يتم استنساخه في كل مرة يحدث فيه حدث يمس تغيير المجتمع السعودي.

السينما وشقيقاتها من الأعلام الجديد من أهم أدوات الأمم في العصر الحديث لغرس الثقافات والقيم الخاصة بها ونشرها في العالم لذلك ما يجب هو الدخول في هذا الفن من المهتمين بنشر رسالة الإسلام السمحة والشخصيات التي كان لها تأثير كبير في تاريخ المسلمين.

لو كان لدي من نصيحة أقدمها أولاً وهي كمثال عابر أضربه لمن يمتلك القنوات ذات الصبغة الدينية بما أنهم يمتلكون القدرة المالية والخبرة لأشرت علهم بإغلاق نصف هذه القنوات على الأقل والتحول سريعاً لدور إنتاج سينمائي تهتم بالمحتوى الديني في إنتاج الأفلام السينمائية وثانياً لمعارضي وجود السينما في تشجيع أصحاب هذه القنوات للمبادرة بهذا الفعل.

لنتخيل مسلسلاً كمسلسل عمر الذي سبق طرحه تم إعادة انتاجه كفيلم سينمائي بقدرات عالمية، إلى أين سيصل صداه وتأثيره؟

نحن لسنا في حاجة لأن يصل صداه للعالم الإسلامي فحسب وهو ما حدث لهذا المسلسل ولكن نحن بحاجة لأن يصل للعالم أجمع وليس هناك أنجع من الأفلام السينمائية.

كم أرجو أن أرى من يبادر بإنشاء دار إنتاج سينمائي تهتم بنشر المحتوى الديني السمح والموروث الفكري والثقافي والحضاري في السعودية شريطة أن تكون داراً ذات قدرات هوليودية.

المجال رحب للأفكار واستغلال فرص ومحفزات لم تكن موجودة في السابق ولنتوقف كثيراً في نهاية حديثنا، أليس من الأجدى...

العمل على انتاج أعمال تغرس القيم بدلا من تضييع الوقت في الاعتراض مع كل حالة نمر بها ومع نهايتها النتيجة لا شيء.


"من يبكي حالاً فالحائل بينه وبين تغييره بكاءه"

تأملوها بعقولكم قبل قلوبكم.

#عارف_الحيسوني