نحو تجديد خطابنا السياسي والاعلامي في محاربة أكاذيب الصهيونية ونصرة القضية الفلسطينية، ليصبح خطابًا يتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية وطنية لا قومية عروبية ولا دينية اسلاماوية!.. كيف!؟

***********************

كما أكدت في عدة مقالات سابقة لا شك عندي أن العرب وخصوصًا الفلسطينيين يحتاجون إلى تجديد طريقة خطابهم السياسي والاعلامي في عرض القضية الفلسطينية خصوصًا عند مخاطبة غير العرب والمسلمين، من خلال التركيز على الحقائق الثلاث التالية:

(1) اليهودية ديانة وليست قومية وهوية عرقية كما يدعي الصهاينة!

(2) فلسطين للفلسطينيين يهودًا ومسيحيين ومسلمين وغيرهم والقضية الفلسطينية قضية وطنية وليست دينية!.

(3) دولة اسرائيل كدولة الدواعش دولة أنشأتها عصابات ارهابية مؤدلجة ومسلحة قادمة من وراء الحدود وتاريخ العصابات الصهيونية في فلسطين يشهد على ذلك!.

******

الشرح بالتفصيل:

(1) الحقيقة الأولى:

------------------

اليهودية ديانة وليست قومية وهوية عرقية.. ومفادها أن معظم (اليهود) الحاليين ليسوا من (شعب بني اسرائيل)، أو من (العبرانيين) من الناحية القومية والعرقية تمامًا كما أن معظم المسلمين ليسوا من (شعب بني اسماعيل) أو (العرب)!، فبنو اسرائيل كقبيلة وشعب سامٍ هم ضمن السكان الأصليين لما بات يعرف بـ(الوطن العربي) بل هم من أبناء عمومة العرب وشركائهم في الوطن بل وقد أُطلق عليهم حينًا من الدهر وقبل ظهور المشروع الاستيطاني الصهيوني اسم (يهود العرب!)(*) فهؤلاء هم بنو اسرائيل وهم أبناء عمومة بني اسماعيل، اما بقية اليهود القادمين من أوروبا الشرقية والغربية والهند والصين و أثيوبيا وتركيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وغيرها فهم (أجانب) وليسوا من يهود بني اسرائيل وبالتالي ليسوا من سكان فلسطين ولا العالم العربي!، فاليهودية ديانة مثلها مثل النصرانية والاسلام وليست قومية عرقية (أثنية) كما تدعي الصهيونية، بدليل ان هناك بعض المسيحيين ارتدوا عن المسيحية واعتنقوا اليهودية باعتبارها هي دين المسيح الأصلي !!.

(2) الحقيقة الثانية:

------------------

فلسطين للفلسطينيين يهودًا ومسيحيين ومسلمين وغيرهم، ومفادها أن القضية الفلسطينية قضية وطنية بالدرجة الاولى قبل ان تكون قضية عربية او دينية اسلامية، وبالتالي العرض الصحيح للقضية الفلسطينية هو أن فلسطين كوطن هي للفلسطينيين فقط ليست لكل العرب ولا لكل المسلمين ولا لكل المسيحيين ولا لكل اليهود، بل هي ارض الفلسطينيين يهودًا ومسيحيين ومسلمين وغيرهم، واما يهود اوروبا فأوطانهم في أوروبا، ويهود امريكا أوطانهم في امريكا، ويهود اسيا اوطانهم في أسيا، ويهود افريقيا اوطانهم في افريقيا، بل ويهود العرب أوطانهم في الاقطار العربية، فاليهودي التونسي وطنه تونس، واليهودي المغربي وطنه المغرب، واليهودي اليمني وطنه اليمن....الخ .... الزعم أن فلسطين أرض كل اليهود أكذوبة واضحوكة صهيونية فجة مخالفة للواقع والتاريخ وهي تشبه قولنا أن السعودية أرض كل المسلمين!!، تخيّل معي أن مسلمي العالم يأتون للإقامة في المملكة السعودية والاستيطان فيها بدعوى ان السعودية كانت مهد الديانة الاسلامية والدولة الاسلامية الاولى فهي اذن بلد ووطن كافة المسلمين!!، قد يبدو هذا لأصحاب الايديولوجيات الاسلاماوية الطوباوية المتشددة أمرًا صحيحًا وان جزيرة العرب او المملكة السعودية موطن وأرض كل المسلمين من كل قارات العالم!، ولكن بالمنطق الوطني والواقعي والعقلاني هذا امر غير صحيح، فالسعودية ارض السعوديين فقط!، ليست أرض كل العرب ولا كل المسلمين، كذلك فلسطين فهي ارض الفلسطينيين وحسب، لا كل العرب ولا كل اليهود ولا كل المسيحيين ولا كل المسلمين، هذا هو الخطاب الاعلامي والسياسي الصحيح والمُقنع للعالم!.

(3) الحقيقة الثالثة:

------------------

دولة اسرائيل كدولة الدواعش دولة أنشأتها عصابات ارهابية مؤدلجة ومسلحة قادمة من وراء الحدود تم التخطيط لها في مؤتمر صهيوني في سويسرا عام 1897 وكان يومها هناك خلافًا بين اليهود أنفسهم هل يتخذون فلسطين أم الأرجنتين وطنًا لهم!؟؟، فدولة الصهاينة كدولة الدواعش تستند في مبررات وجودها على ايديولوجيا سياسية مشبعة بالمعتقدات الدينية!، فهي دولة دينية اذ أنها - وكما تصرح في قانونها الأساسي وخطابها الاعلامي والسياسي - دولة يهودية!، واليهودية ديانة وليست عرقًا أو قومية!، فهي -إذن - دولة ذات منطلقات دينية كالدواعش!، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لو رجعنا الى التاريخ وتأملنا في طريقة تكوين وتمكين هذه الدولة اليهودية الصهيونية لوجدناها لا تختلف كثيرا عن طريقة اقامة الدواعش لدولتهم!، فهي قامت على يد المليشيات الصهيونية المسلحة التي كانت تمارس الارهاب وتعتمد على اثارة رعب السكان إما لإجبارهم على الاستسلام لها أو الفرار واخلاء قراهم للمستوطنين القادمين من خارج الحدود، بل إن بعض هذه العصابات الصهيونية مارست الارهاب حتى ضد بعض معسكرات البريطانيين بعد أن أوقفت بريطانيا هجرة اليهود لفلسطين فقام الارهابيون الصهاينة بتفجير طريق للسكة الحديدية وتفجير فندقًا يرتاده ضباط بريطانيون!!، هذا عدا عن المجازر الرهيبة التي ارتكبوها ضد السكان الأصليين وتهجيرهم من قراهم ليحل محلهم مستوطنون أجانب!؟، أليس هذا ارهاب يشبه ارهاب الدواعش وزيادة!؟، كما أن عصابات تنظيم الدولة اليهودية (الصهاينة) حالها كحال عصابة تنظيم الدولة الاسلامية (الدواعش) من حيث أنها كانت تشجع أنصار مشروع الدولة اليهودية - من يهود العالم قاطبةً - على الهجرة للوطن الجديد أي مغادرة بلدانهم الأصلية والانضمام الى بذرة الدولة اليهودية في فلسطين للمشاركة في حمايتها وتوسعة رقعتها واغرائهم بالمال احيانًا ودغدغة عواطفهم الدينية والزعم بأن ذلك سيجعل الرب يرضى عنهم!!، وهذا ما فعله الدواعش ايضًا من استغلال الخطاب الديني واغراء مسلمي العالم بالالتحاق ببذرة الدولة الاسلامية الجديدة المقامة على ارض سوريا والعراق للمشاركة في حمايتها وتوسيع رقعتها، فإقامة دولة الصهاينة قامت بنفس أساليب الدواعش من حيث التمكين أي من خلال العصابات الارهابية وممارسة العنف وبث الرعب واستجلاب الأنصار من خارج الحدود وتجنيدهم كمقاتلين لصالح مشروع الدولة الدينية!.

***

فهذه ثلاث حقائق رئيسية ومنطقية حول الدولة الصهيونية أتمنى أن يتبناها الفلسطينيون بل والعرب جميعًا في خطابهم الاعلامي والسياسي خصوصًا عند مخاطبة العقلية الغربية، مع التأكيد على أن قضية فلسطين قضية وطنية بحتة، وليس من الحكمة بمكان أن نتبنى الخطاب العروبي القوماوي بالتركيز على أن فلسطين للعرب!، أو الخطاب الاسلاماوي الديني المعادي لليهود كيهود بما فيهم يهود العرب والذي يقول أن فلسطين للمسلمين!، أو يظهر أن القضية الفلسطينية هي قضية لتحرير القدس والمسجد الاقصى كما لو أن هذا هو أساس قضية فلسطين!، يمكن أن تكون قضية عروبة فلسطين أو قضية المسجد الأقصى مدرجة في الخطاب الشعبوي والتعبوي العربي والاسلامي (الداخلي) في المحافل المحلية لإثارة عواطف العرب القومية والدينية لدعم قضية فلسطين بالمال أو التظاهرات ولكن هذا الخطاب من الناحية السياسية في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية هو خطاب فاشل وغير مُقنع وغير مؤثر!!، انا شخصيًا جربتُ هذا الخطاب الذي اقترحه هنا - أي عرض قضية فلسطين كقضية (وطنية فلسطينية) بحتة لا عربية ولا اسلامية - مع عدة أشخاص هنا من الانجليز وغيرهم، وقد لاقيتُ نجاحًا كبيرًا ومؤثرًا بشكل يشبه السحر اذ ان الخطاب العقلاني المنطقي المصحوب بحقائق التاريخ والواقع هو ما يفرض نفسه على كل انسان عاقل!، فيا ليتنا نحن العرب - وخصوصًا اخواننا الفلسطينيين - نجدد خطابنا السياسي والاعلامي للعالم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فإن الخطاب العروبي القوماوي وكذلك الخطاب الديني الاسلاماوي خطابان فاشلان سياسيًا واعلاميًا وفكريًا بامتياز!، فيا ليت قومي يعلمون!.

*********

سليم الرقعي 2018

(*) كما أن هناك (عرب مسيحيون) فهناك بالمثل (عرب يهود)، هكذا كان الوضع قبل ظهور الحركة الصهيونية، ومن هؤلاء اليهود العرب تلك القبائل اليهودية التي كانت تعيش في يثرب قبل وبعد الاسلام مثل بني قريضة وبني قينقاع...إلخ... فكما هناك نصارى عرب هناك يهود عرب!، هذا أمر ثابت.