لا أُخفيكم علمًا أنى كمسلمةٍ نشأتُ على فَهمٍ خَاطىءٍ لمعانى بعض الآيات التى ساقَها اللَّهُ _ تبارك وتعالى _ لمقصدٍ ، وتُليتْ علينا فى مقامٍ مختلفٍ لتصلْ إلى الأفهام بمعنى مغاير تمامًا لما سِيقت إليه!

وأبدأ مع هذه الآية الكريمة من سورة "الكهف" حيثُ يقولُ الحقُ _ جل وعلا _ : " مَنْ شَاءَ فليؤمنْ ومَنْ شَاءَ فليكفرْ " وبالتأكيد كُلنا سمعَ هذه الآية مِرارًا ، ولكننا فهمناها بمعنى مختلف تمامًا!

فدعونى أوضح لكم (بما تيسر لى من البحث ) مقصودها الحقيقى ، ولماذا لم نعرفه !

المعنى الحقيقى لهذه الآية هو : مَن شَاءَ اللَّه لهُ الإيمانَ آمنَ ومَنْ شَاءَ اللَّهُ له الكفرَ كفر . فالمشيئةُ هُنا لله وليست للبشر هذه واحده ، الأمرُ الثانى أن هذه الآية تهديدٌ ووعيدٌ للكافرينَ ، وهذا يتضحُ فى تكملةِ الآيةِ حيثُ يُوضح لنا اللَّهُ _ سبحانه وتعالى _ مايصيبُ الكافرينَ مِن العذابِ بسبب كفرِهم ، فيقولُ _ تبارك وتعالى _: " وإِنْ يسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِماءٍ كالمُهلِ يَشوِى الوجوه " فهذا كلهُ تهديدٌ ووعيدٌ وليس مصانعةً أو تفويضًا للاختيار بينَ بديلين ، الأمرُ الثالثُ أَنَّ الآيةَ التاليةَ للآيةِ موضعُ الحديثِ يبينُ اللَّهُ فيها ما يَحصدُه المُؤمنونَ باللَّهِ فى الآخرةِ مِن نعيمٍ لا نهايةَ ولا وصفَ لهُ أى أَنَّ اللَّهَ يُوضحُ أَنَّهُ لا بَديلَ عن الإيمانِ واتباعِ منهجِ اللَّه.

أَما المعنى الذى وصلَ إِلى أفهامِنا مِن هذه الآيةِ أَنَّ الله يُخيرُ البشرَ بينَ الكفرِ والإيمانِ فكَأنهُما سواء ( أى مَن أرادَ الإيمانَ فليؤمن ، ومَن أَرادَ الكفرَ فليكفر)

_حاشاه عن ذلك كله_ ، ولنضرب مثلًا توضيحيًا ، (يُكتب للطالبِ فى ورقةِ الامتحان " أجب عن أحد السؤالين أى أنهما سواء لهما نفس الدرجات ويؤديان إلى نفس النتيجة) ونفهم من هذا أَنَّ الإيمانَ والكفرَ سواءٌ!!!

وهذا المعنى الذى وصل إلينا مخالفٌ تمامًا للمعنى الحقيقى !! فلماذا إذًا فهمناها فهمًا خاطىءً ؟؟

الإجابة بسيطة للغاية : فُهمتْ خطأ لأنها سِيقتْ فى المكانِ والمقامِ الخطأ !!!

أعرنى انتباهك أيُها القارئ الكريم ، فهذه الآيه تترددُ على أسماعنا كثيرًا ليُدلِلَ بها قائِلُها على سماحةِ الإسلامِ ، وكأنَّ هذه الآيةُ تصريحٌ مِنَ اللَّه لعبادِه بالكفر !! أهذا يصح؟ أهذا يُعقل؟ تعالى اللَّهُ عما يقولون علوًا كبيرًا.

كيف لعلمائِنا الأفاضلِ أنْ يذكروا هذه الأيةِ للتدليل على سماحةِ الإسلامِ ! وهى بعيده كل البعد عن هذا المعنى !! 

لديك عالمى الجليل كثيرٌ من الآياتِ التى تدل على سماحةِ الاسلامِ كقوله تعالى : " لكم دينُكم ولى دين " أو قوله تعالى : " لا إِكراه فى الدينِ " أى أَنَّنا لا نجبرُ أحدًا على الدخولِ فى الإسلامِ ولكن ليس معنى هذا أَنَّنا نرضى لكم الكفرَ ، وهذا قمةُ التسامحِ الإسلامى ، و الذى يتضحُ أيضًا فى مواقفِ النبى محمدٍ " صلى الله عليه وسلم" مع المشركينَ التى نتعلم منها الوسطيةَ والاعْتدالَ والدعوةَ إلى اللَّهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ حتى نكونَ مُرغبينَ لا مُنفرين ، أما الآيةُ موضعُ الحديثِ فهى سيقتْ للتهديدِ والوعيدِ وليس للدلالةِ على سماحةِ الإسلام بالتسويةِ بين الإيمانِ والكفرِ.

وأخيرًا رسالةٌ إلى كلِ مسلمٍ ومسلمةٍ تَثبتُوا من معْلومَاتِكم ، وضَعُوا الأمورَ فى نصابِها ، وكُونُوا مؤمنينَ حقًا حتى يتباهى بِنا الرسولُ _صلى الله عليه وسلم _ بين الأُممِ ، واستقُوا العلمَ من مصادرِه الصحيحةِ ، وما التبسَ عليكم فابْحثُوا عنه وتَدبَرُوا واقرأُوا وتفكرُوا وناقِشُوا وحللُوا ، واسْتخْدمُوا عُقولَكم فقد ميزَنا اللَّهُ بها فلا تُهْملُوها ، وعلمُوا أولادَكم صحيحَ الدينِ.

وختامًا شكرًا للشيخ خالد الجندى الذى أضاء لى الطريق ودفعنى للبحث.

إلى اللقاء.