بالنظر للتاريخ الحديث فإننى أرى بأن ((دولة الصهاينة)) لا تختلف في شيء عن ((دولة الدواعش)) في طريقة التكوين ومنهج التمكين!، الا أن الاولى فازت بتأييد أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا ودول اوروبية اخرى بينما دولة (الدواعش) حاربها العالم وأولهم العرب والمسلمون!، كيف ولماذا !!؟؟.

الجواب كالتالي :

أولا : وجوه التشابه !؟

(1) الاستناد على (ايديولوجيا سياسية مشبعة بالمعتقدات الدينية المعجونة بالأساطير والخرافات)!.

فدولة الصهاينة كدولة الدواعش لكونها من حيث الأساس تستند في مبررات وجودها على نصوص دينية!،  فضلا عن أنها تصرح في وثائقها الدستورية وخطابها الاعلامي والسياسي بأنها دولة يهودية!، واليهودية - كما هو معلوم - ديانة وليست عرقا او قومية!، بل هي ديانة مثل النصرانية والاسلام، فهي، إذن، دولة ذات اساس ومنطلقات دينية كدولة الدواعش!، ويكفي أن تلقي نظرة سريعة على راية تنظيم الدولة الصهيونية اليهودية وراية تنظيم الدولة الاسلامية الداعشية لتجد الرمز الديني حاضرا بقوة، فعلى راية دولة اسرائيل ستجد (خاتم ونجمة النبي داود)، وعلى راية دولة الدواعش ستجد (خاتم وراية النبي محمد)!.

 (2) ممارسة العنف والإرهاب كطريق لتمكين المشروع السياسي!

فلو رجعنا الى تاريخ نشأة وبداية دولة الصهاينة (اسرائيل) وتأملنا طريقة تكوين وتمكين هذه الدولة اليهودية الصهيونية لوجدناها لا تختلف كثيرا عن طريقة اقامة الدواعش لدولتهم!، فهي قامت من خلال تكوين (عصابات ومليشيات مؤدلجة ومسلحة)[1] جاء اغلب أفرادها من خارج البلاد (أجانب!؟) استجابة لدعاية ايديولوجية واعلامية صهيونية مشبعة بخرافات ونصوص دينية، بحيث تأخذ هذه العصابات المسلحة في السيطرة بقوة السلاح على الأراضي، خطوة خطوة، كما فعل الدواعش في سوريا والعراق في بداية أمرهم، وهو ما كانت العصابات الصهيونية اليهودية قد فعلته تدريجيا في فلسطين للتحضير لتأسيس وفرض دولتهم اليهودية!، حيث أخذت هذه المنظمات الصهيونية المسلحة تمارس الارهاب الممنهج والمنظم الذي يستهدف خلق حالة الفزع لدى الفلسطينيين لإثارة رعبهم واجبارهم على إما الاستسلام للأمر الواقع او الفرار من أراضيهم وبيوتهم وتركها غنيمة للمليشيات الصهيونية!، بل أن بعض هذه العصابات الصهيونية مارست الارهاب حتى ضد بعض معسكرات البريطانيين [2] بغرض الضغط على بريطانيا سياسيًا!!، وهو نفس منهج الدواعش في احتلال الاراضي والارهاب الممنهج وبث رسالة  الرعب بغرض السيطرة!!.

(3) دعوة أنصار مشروع الدولة الجديدة للهجرة من اوطانهم للوطن الجديد!

لا شك ان الحركة الصهيونية بذلت جهودا ضخما لتحفيز يهود العالم الى هجرة بلدانهم وأوطانهم الاصلية والنزوح نحو الوطن الجديد!، وذلك للانضمام الى بذرة وبؤرة الدولة اليهودية في فلسطين للمشاركة في حمايتها وتوسيع رقعتها بل ومساعدة هؤلاء اليهود عمليا وماليا في هجرة اوطانهم الأصلية للانضمام لجيش وتنظيم الدولة اليهودية الجديدة واغرائهم بالمال والسكن وأحيانا اخرى دغدغة عواطفهم الدينية بالزعم أنهم بهجرتهم الى (أرض الميعاد!!) سيجعلون (الرب) يرضى عنهم بل إنهم بسفك دماء أعداء (الرب) من الفلسطينيين (الأغيار) وهدم بيوتهم وتهجيرهم إنما ينفذون تعاليم دينهم وتطبيق الشريعة اليهودية!!، وهذا ما فعله تنظيم الدولة الاسلاماوية (داعش) ايضا من استغلال الخطاب الديني واغراء مسلمي العالم بهجرة أوطانهم والالتحاق ببذرة وبؤرة الدولة الاسلامية الجديدة المقامة على ارض سوريا والعراق للمشاركة في حمايتها وتوسيع رقعتها والزعم أن ذلك فيه مرضاة للرب فضلا عن اغراء الشباب المسلم الفقير والعاطل عن العمل بالمال والنكاح مثنى وثلاث ورباع للمجيء لأرض الميعاد (الرقة)!!.

***

وهكذا لو عملنا مقارنة بين تاريخ (تنظيم الدولة اليهودية الصهيونية) وتاريخ (تنظيم الدولة الاسلامية الداعشية) ومنهج تكوين وتمكين مشروع كل منهما لبناء دولتهم ذات الاساس الديني اليهودي أو الاسلاماوي، سنجد الكثير من الموافقات العجيبة بينهما سواء في المسوغات الايديولوجية المشحونة بالمعتقدات والخرافات الدينية أو ممارسة العنف والارهاب أو استدعاء أتباع دينهم للإلتحاق بهم والانخراط في مليشياتهم المسلحة بدعوى الدفاع عن دولتهم ودولة الرب وللاستمتاع بجنتهم الأرضية الموعودة الجديدة!!، فمشروع تنظيم دولة اليهود الصهاينة كمشروع تنظيم دولة الدواعش وجهان لعملة واحدة، هو الانطلاق من  (ايديولوجيا سياسية) جوهرها (القومية الدينية)[3] وممارسة الارهاب وتأسيس الدولة على أساس ديني وبطريق القوة ونشر الرعب!.

ثانيا: وجوه الاختلاف؟!

لا شك أن مشروع تنظيم الدولة اليهودية للصهاينة نجح حتى الآن بينما مشروع تنظيم الدولة الاسلامية للدواعش فشل حتى الآن لعدة أسباب وعوامل واختلافات بين المشروعين والظروف المصاحبة، اهمها في رأيي يتمثل في أمرين:

أ -  الأمر الاول: أن الصهاينة كانوا أكثر دهاء ومكرا وواقعية وبرغماتية وحنكة سياسية من الدواعش في تمكين مشروع دولتهم وكسب تعاطف الكثير من الدول والشعوب معهم، فهم يعرفون جيدا من أين تؤكل الكتف!؟ ويعرفون أسرار وقوانين اللعبة الدولية!، بعكس الاسلاميين الدواعش الذين بغبائهم السياسي ووحشيتهم الفجة تمكنوا من الفوز بكراهية شعوب العالم العربي والاسلامي لهم والنفور منهم  بسبب عملياتهم الوحشية الارهابية الاستعراضية ضد المسلمين والعرب كممارسة طقوس ذبحهم للبشر ذبح النعاج أمام عدسات الاعلام والتباهي بذلك!، هذا من جهة!، ومن جهة أخرى ألبوا العالم الغربي ضدهم بسبب استهدافهم للمدنيين في الدول الغربية بشكل وحشي رهيب!!... غباء سياسي انتحاري فج فاق كل تصور!!.

ب - والأمر الثاني: وجود بعض الساسة الغربيين ممن يدعمون بقوة مشروع اقامة ((وطن بديل لليهود)) في فلسطين أما حبا في اليهود وتعاطفا معهم أو بغضا لهم والرغبة في التخلص منهم !، بينما مشروع اقامة دولة الدواعش الاسلامية لا يملك نصيرا دوليا ولا حتى محليا، فالشعوب المسلمة أصابها الرعب والذعر من مشروع الدولة الاسلامية الوحشي الرهيب والغليظ!!، اما مشروع دولة الصهاينة فقد حاز على حلفاء دوليين خصوصا في أوروبا إما بدافع عاطفة دينية مسيحية لدى بعض المسيحيين الغربيين تقوم على أساس أن اقامة دولة اسرائيل سيعجل بقدوم المسيح!، فلهذا هم يدعمون اقامة دولة اسرائيل كنوع من التماهي العقدي مع بعض النصوص الدينية المسيحية التي يعتقدون صحتها !!، أو بدافع عاطفة قومية ووطنية عنصرية أو حتى دينية متعصبة لدى بعض الغربيين ضد اليهود والأجانب عموما والتي كانت - ولازالت - تجعلهم ينظرون لليهود في اوروبا نظرة عداء بإعتبارهم (لا يحترمون المسيح ويعتبرونه دجالا!) أو باعتبارهم (قتلة المسيح) أو بإعتبار أن وجودهم داخل اوروبا "وجود شاذ غير مرغوب فيه"، أي كحال نظرة بعض الغربيين القوميين العنصريين أو المتدينين المسيحيين الغربيين المتعصبين اليوم لمسألة تواجد المسلمين في الغرب!، فهم يعتبرون وجود هؤلاء المسلمين في أوروبا وجودا ثقافيا شاذا وغريبا يقلق سلامهم وانسجامهم الاجتماعي بل بعض الغربيين ينظر للمسلمين كما لو انهم أشبه بالطابور الخامس او حصان طروادة!، كذلك الحال بالنسبة لبعض الأوروبيين الذين لديهم موقف قومي أو ديني متعصب معاد لليهود (العداء للسامية!!) كانوا - ولا يزالوا - يتمنون الخلاص من يهود اوروبا، الا أن هؤلاء صنفان:

- صنف نازي قومي ووطني عنصري حاقد يعتقد أن طريق التخلص من اليهود في اوروبا يكون بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية لهم لتخليص أوروبا من شرهم ومكرهم أي كما فعل هتلر!.

- وصنف آخر ماكر يرى ان التخلص منهم يكون بطريقة سياسية خبيثة وماكرة أي بإيجاد (وطن بديل لليهود) في مكان ما خارج أوروبا أي بالتهجير وإعادة التصدير[4]، أي كما فعلت بريطانيا عن طريق (وعد بلفور) 1917 وكذلك كما فعلت بولندا عام 1936 بتشجيع يهود بولندا على الهجرة لفلسطين لا حبا فيهم بل للتخلص منهم باعتبارهم عنصرا غريبا او متطفلا على المجتمع البولندي، وهكذا هي نظرة الكثير من الروس لليهود منذ القدم !! [5].

وأخيرًا ...

لابد للعرب من تجديد خطابهم الاعلامي والسياسي ومن ذلك تذكير العالم بحقيقة مشروع دولة الصهاينة وأنه من حيث الأصل - وبالعودة لتاريخ نشوء وتطور هذه الدولة الاستيطانية المصطنعة - لا يختلف عن مشروع دولة الدواعش سواء من حيث المسوغات الدينية التي ينطلق منها هذا المشروع، أو ممارسة الارهاب لتمكين دولتهم بطريق القوة والعنف ونشر الرعب في قلوب السكان الأصليين المحليين!، أو استقدام المجندين اليهود من جميع انحاء العالم على أساس ديني للانخراط في هذه الدولة الصهيونية الجديدة كشعب بديل للشعب الفلسطيني الاصيل والانخراط في جيش هذه الدولة للدفاع عنها!، فمن هذه الزاوية، هناك تشابه كببر وواضح بين المشروعين، أي مشروع دولة الصهاينة ومشروع دولة الدواعش، كلاهما وجهان لشيء واحد هو التعصب والتأصيل الديني لمشروعية الدولة واقامة القومية على أساس ديني وممارسة الارهاب والتشجيع على الهجرة لأرض الميعاد ومعقل الدولة الدينية الجديدة والانخراط في جيشها وخدمتها وحمل جنسيتها!.. علينا ان نتحدث للعالم بهذا المنطق وبمثل هذه المقارنات لاقناعهم ان اليهودية دين وأن لليهود كالمسلمين كالمسيحيين أوطانا شتى وليس وطنا واحدا مخصوصا لهم يهاجرون اليه ويستوطنونه كشعب دخيل وبديل عن الشعب الوطني الاصيل بل ويقيمون عليه دولة يهودية لكل يهود العالم على حساب شعب فلسطين!.

************

سليم الرقعي 2018

[1] من أشهر وأكبر هذه المليشيات والعصابات الصهيونية عصابات شتيرن والأرغون والهاغاناه التي كانت تهاجم قرى الفلسطينين وتعمل على قتلهم وتهجيرهم بالقوة ومنها مذبحة قرية دير ياسين 1948 الواقعة غربي مدينة القدس التي تقوم على انقاضها اليوم مستعمرة إسرائيلية تسمى (جفعات شؤول) .

[2] أثار فرض بريطانيا قيودًا على الهجرة اليهودية إلى فلسطين غضب المليشيات الصهيونية فقامت الهاجاناه بمظاهرات معادية لبريطانيا وقامت بتنفيذ هجرات سرية غير شرعية لليهود من الخارج وانشق عنها جناح يميني أشد تطرفًا منها تحت اسم منظمة (الأرجون) التي أخذت موقفًا معاد ضد بريطانيا، وهاجمت عدة معسكرات بريطانية وحررت اليهود المهاجرين غير الشرعيين الذين احتجزتهم القوات البريطانية في معسكر "عتليت"، وقامت بنسف سكك الحديد بالمتفجرات وتفجير فندق يقيم فيه ضباط بريطانيون، ونظّمت حملة هجمات تخريبية استهدفت مواقع الرادار ومراكز الشرطة البريطانية في فلسطين.

[3] القومية هي رابطة اجتماعية قد تقوم على اساس وحدة العرق أو وحدة الدين أو وحدة الوطن، في عصرنا تطور حال القوميات مع تطور الفكر الحقوقي الانساني والسياسي والديموقراطي واستقر حالها على قيامها على اساس وطني اي وحدة الوطن واصبحت اقامة قومية او دولة على اساس عرقي اثني او ديني امر مستهجن تمجه العقول المعاصرة المشبعة بفكرة حقوق الانسان وفكرة المواطنة، ولكننا فيما يتعلق بمشروع تنظيم الدولة اليهودية للصهاينة وتنظيم الدولة الاسلامية للدواعش نجدهم ينظرون للرابطة القومية وبالتالي مشروع الدولة على أساس المحدد الديني لا الوطني ولا العرقي، أي كما لو أنهم يعتقدون أن كل اصحاب ديانة هم قوم وأمة بالمفهوم السياسي!!، الا أن الصهاينة يحاولون خداع العالم بتصوير اليهودية كعرق وجنس من اجناس البشر وهو خداع تمكنوا من تمريره وفرضه بقوة الاعلام، ولكن عقلاء العالم يعرفون ان اليهودية ديانة ليست عرقا ولا وطنا!.

[4] تلقت منظمة (الأرجون) دعمًا سريًا قويًا من الحكومة البولندية ابتداء من 1936 لتهجير اليهود من بولندا لا حبا في اليهود أو عطفا عليهم بل لتطهير المجتمع البولندي من الشريحة اليهودية، حيث إنهم كانوا من أفقر طبقات المجتمع البولندى حيث كان ينظر اليهم البولنديون كما لو أنهم غرباء أو طائفة من الغجر !!.

[5] اليهود الصهاينة بالطبع كانوا يعرفون أن بعض الاوربيين دعموا دولتهم لا حبا فيهم بل للرغبة في التخلص منهم وتطهير اوروبا منهم كما هو حلم النازيين ولكنهم أيضا يعرفون ان الانسلاخ عن جسم المجتمعات الغربية بالكامل ليس من مصلحتهم على المدى القريب والبعيد على السواء فهم يحتاجون للتواجد اليهودي في قلب الحواضر الغربية كموطنين في هذه الدول لخدمة مصالح الدولة اليهودية والتأثير في الراي العام الغربي - راي الشعب - والراي الخاص - راي النخب السياسية والمثقفة - وممارسة الضغوطات بقوة المال والاعلام على الساسة الغربيين  مستثمرين مأساتهم ايام الحكم النازي وتاريخ اضطهاد اليهود في اوروبا لكسب تأييد الساسة والمثقفين ودعمهم لدولة اسرائيل، لهذا كان القرار بضرورة ابقاء بضعة ملايين من اليهود في العالم الغربي لخدمة الدولة اليهودية والدفاع عنها كما لو أنهم سفراء وعملاء لهذه الدولة في الغرب!، وللموضوعية والحقيقة الواقعية هنا في الغرب بل حتى داخل اسرائيل ذاتها يوجد بعض اليهود (متدينين وعلمانيين) ممن لا يؤمنون بدولة اسرائيل والمشروع الصهيوني بل بعضهم يعتبر هذا المشروع يتعارض مع وصايا الرب!!.