ليست المرة الأولى التي أشعر فيها بأني أتنفس، فقد شعرت بهذا الشعور مرة بعد مرة، وليس هذا النفس الذي أستجمعه، هو ذلك النفس الذي هو وقود الحياة، بل هو نفس وجدته بين دفتي كتاب!، وأي كتاب؟!

كتاب جمع الخير فمن يُبق شيء منه إلا وأتى عليه، وحذر من الشر فلم يُبق منه قليلًا ولا كثيرًا إلا وأعرب عنه، وحذر منه.

كتاب فيه يجد من طوته الحياة، وأرهقته الأيام، سُلوّه وذهاب حزنه.

يجد فيه من أذاقه الفقر مرارته، والجهد عِوزه، الغنى والفضل.

يجد فيه من طوّحت الأسقام أركانه، شفاء من كل سقم، ودواءًا من لكل داء.

كتاب من تدبره وقرأه بعقله انفتح له قلبه، وأبصرت عيناه، وعرف بعد أن لم يكن يعرف!.

فيه وصف الحياة والموت، ووصف غاية الخلق والتكوين، ووصف الحياة السعيدة الآمنة.

كتاب يُخبرك عن أحوال الأمم المتصرّم دهرها، الغائب خبرها، يروي غَلّتك بقصصها، ويَبُل ريقك بغابرها القديم.

ثم هو يعرض عليك القصة التي لا يجمعها كتاب، في سطور متفرقة، متضمنة العظات والعبر.

كتاب فتح الله به عيونًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا...

أتعرف ما هو هذا الكتاب؟

أدع عناء الإجابة لك، وأكلُك إلى ما وهبك الله من بصيرة، وأمدك به من قوة وقدرة، فاعرفه، ثم اقرأه، ثم تفكر فيه واعتبر منه، فإنك ستجد فيه روحك الضائعة، ونفسك الغائبة....(ذلك تقدير العزيز العليم)