علق أخ فاضل على صفحتي بهذا التعليق:

( لو سلمنا جدلا بشرعية الديمقراطية .. فهل الهدف جميع مدلولاتها و نتائجها ؛ أم أننا نقتصر فقط على جزئية اختيار الحاكم

و تعلمون أنه في الديمقراطية

التشريع للشعب و الحاكمية له

فهل كان صلوات الله عليه وأصحابه سيرضخون لتشريع الأغلبية اجمالا ؟)

ولو صدر هذا التساؤل من غيره لأجبت عليه بطريقة مختلفة تليق بطريقة تفكير أغلب الجماعات التكفيرية، ولكن الحمدلله أنه تساءل هذا السؤال حتى أجيبه بما يثلج الصدر وينفع العقل فأقول:

لابد من التفريق بين المعنى العام للحاكمية التي تكلم عنها عدة من مفكري الإسلام وهي تعني قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونُسُكِي ومَحْيَاي ومَمَاتِي لله رب العالمين) وبين الحكم بمعنى السلطة السياسية، فلو مزجنا بين الإثنين لتصادمت افكارنا تصادما غريبا حيث أننا سنقول:

- الحاكمية هي حكم الله ولكن حكم الله في قضية الشقاق بين الزوجين هو قوله تعالى: (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها)

فهذا حكم الله يجعله بيد حكم رجلين؟ فهل القران يناقض نفسه هنا؟؟

- وأيضا نقول حين نمزج الحاكمية بالحكم (السلطة) لأنها من ذات المادة الجذرية اللغوية، فلزاما علينا القول بأن حكم مباراة كرة القدم مخالف للحاكمية أيضا.

ولا شك أن مثل هذا التفكير لا يقول به عاقل.

إذا علمت ذلك، يتبين لك أن ثمة فرق بين الحاكمية بمعناها القراني الواسع وبين الحكم أو السلطة، الذي جعله الله بيد الناس كافة فقال: (وأمرهم شورى بينهم) فالحاكمية في السلطة هي أن تكون بيد الناس وباختياراتهم، فهم من يطبق شرع الله على الصعيد الإجتماعي والسياسي والجنائي وغير ذلك ولذلك نرى القران يخاطب الأمة دوما على أن تلك القضايا السياسية منوطة بها.

بقي أن نقول أن الديمقراطية لا تعني فقط حكم الشعب بالشعب، فهذا كلام عام وهو صحيح ولكن الديمقراطية تعني أن يحكم الناس ويتفاهمون عن طريق الحوار والصناديق بدلا من السلاح والقوة، فبدلا من ان يتحارب المسيحين والمسلمين حتى يغلب بعضهم بعضا، أو يبيد أحدهم الآخر فإننا نقول أن الحكم يكون بينهم هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، يتم من خلال العقود والجدال والحوار حتى تنصلح الأمور تدريجيا من خلال النظام والقانون القائم على العدالة والتي لأجلها أمر الله المسلمين بالجهاد.

من هنا فالديمقراطية لا إشكال عليها خصوصا أنها أفضل نتاج بشري لتطبيق الشورى بآلياتها الجديدة المتطورة.

يبقى اعتراض واحد ورد في السؤال وهو ماذا إن صوّت الأغلب لشيء محرم قطعا كإباحة الخمر مثلا؟

نقول: إن هذا التشريع القانوني -وليس التشريع الفقهي- لا يلزم كل مسلم بالعمل به، بل يحق لكل مؤمن في ظل الديمقراطية الإعتراض عليه ورده والتصويت مرة أخرى وثالثة حتى يزول مثل هذا القانون، وكون أن القانون صدر فلا يلزم كل مسلم أن يؤمن به إيمان جزمي بل هو مجرد قانون. علما أن هذا كله هو فرض في الهواء وإلا في عالم الحقيقة لا تكون الأمور بهذا الشكل وإنما التصويت على قضايا محددة واقعية يتحكم فيها الواقع وفقه الموازنات.

هذا ولابد من معرفة أن للديمقراطية أشكالا وقد تلبس أثوابا متعددة بحسب المجتمع التي تتكون فيه.

فالعمل بالمجتمع يكون بالدعوة والإقناع والعمل بالسياسة يكون للمصالح العامة والموازنات وللضرورات.

١٨/ مايو/ ٢٠١٥