من خلال مطالعتي لكتب الفلسفة والمنطق، تكون هذه اللفظة من أكثر الألفاظ التباسا لدي، فالسؤال المتبادر للذهن، ما المقصود بالبرهان؟

لنبحث عن معنى البرهان في اللغة العربية أولا:

ففي لسان العرب (أبره الرجل: غلب الناس وأتى بالعجائب. والبرهان بيان الحجة واتضاحها) وهو ما عليه كثير من المفسرين في تبيين معناها في الآيات التي ذُكر فيها "برهان".

لكن بودّي لو نتأمل تلك الآيات لنقترب أكثر إلى تجلية المعنى، وقد ذُكرت في ثمانية مواضع:

- في قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) والمراد هنا الرسول كما في آية أخرى (قد جاءكم الرسول من ربكم).

- في قوله تعالى: (اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك).

- في قوله تعالى: (ولقد هَمَّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه)، قيل أن البرهان هي صورة يعقوب، وقيل هو خيال سيّده حين دنا من الباب، وغيرها من الأقوال.

فالملاحظ هنا أن البراهين هي حقائق محسوسة، وليست أدلة وحجج ذهنية، أما الآيات الخمس الباقية، فهي في سياق محاججة المشركين، وتقرير عجزهم في الإتيان ببرهان، ولا يمنع أيضا أن يكون المقصود في ذلك بالدليل المحسوس.

والله أعلم.

المسألة الثانية:

التعريف المشهور في المنطق والفلسفة، وبه عرّفه الجرجاني في التعريفات بقوله "هو القياس المؤلف من اليقينيات سواء كانت ابتداء؛ وهي الضروريات، أو بواسطة؛ وهي النظريات." وهذا ما دَرَج عليه عموم الفلاسفة والمناطقة، لكن الدكتور طه عبدالرحمن ينقد هذا التعريف، فيقول في (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي) ص١٣٢-١٣٣:

"أ. إذا كان المقصود بالبرهان هو استنتاج نتائج من مقدمات يقينية، فلا وجود له في الفلسفة، لأن المقدمات الفلسفية، إما أن تكون قضايا مسلّمة أو قضايا مستنتجة، فإن كان الأول، فاليقين فيها تقريري، والتقرير قد يعدله تقريرٌ غيره؛ وإن كان الثاني، فلا بد أن تنتهي هذه القضايا إلى مقدمات أولى، فيرجع الأمر إلى حالة التقرير الأولى.

ب. إذا كان المقصود بالبرهان هو الاستنتاج المنطقي الضروري ولو كان من مقدمات غير يقينية، فلا وجود له هو الآخر في الفلسفة، لأن الاستنتاج المنطقي ينبني أصلا على صور القضايا لا على مضامينها، في حين أن الأقوال الفلسفية ذات مضامين تؤثر في صورها بما يجعل الاستدلال منها لا يستقيم على أصول هذا الاستنتاج الصوري".