في زمن العولمة صار العالم كله سوقاً واحداً مما أدى إلى تغوّل كبريات الشركات العالمية حيث بلغت مبيعاتها أرقاماً خيالية بفضل تواصل إقتناء منتوجاتها من طرف شعوبِ دولٍ تقمصت دور المستهلك بامتياز في غياب قدرة على المنافسة و قبولها الفطري لدور التابع.
للمحافظة على هذا الدور الريادي و تعزيز التواجد في المستعمرات الإستهلاكية الجديدة، تبذل الدول المصنعة جهوداً جمة في الجوسسة الصناعية و الحرب الإعلامية عبر وسائل التواصل الإجتماعي و غيرها لتواصل الهيمنة على عقول المستهلكين و بقائها في وضعية الركوع الدائم.
و من جهة أخرى يواصل صُنّاع الإستراتيجيّات في هذه الدول الرائدة في استنزاف الموارد الطبيعية و استقطاب الموارد البشرية الواعدة من مستعمراتها الإستهلاكية.
لقد تبنت هاته الحكومات خُططاً هدفها تجفيف الدول المتخلفة من كل أدمغتها الواعدة للحفاظ على السبق العلمي و العملي و قطع الطريق على الدول المستهلكة إن هي فكرت في منافستها. بعض الدول سمت سياستها بالهجرة الإنتقائية و أخرى أطلقت عليها إسم الإستحواذ على المواهب الأجنبية ولكن إختلفت المسميات و التحفيزات و الهدف واحد.
بعض الدول الغير غربية التى تفطنت لأهمية هذا الموضوع بنت استراتيجية نهضتها على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية و في نفس الوقت نشرت صيادي الرؤوس في أنحاء العالم لإقناع العقول النيرة من كل الأجناس بالهجرة إليها و الإستقرار هناك تحت إغراء العروض المالية الفخمة، ظروف العمل المناسبة، حماية الملكية الفكرية و التجنيس.
هذا ما يحدث هناك فماذا يحدث هنا؟
هنا إتفق الجميع على إستقبال من سوّلت له نفسه بالرجوع إلى وطنه من المختصين المغتربين بجملة واحدة تسمعها في كل مكان حتى في أعلى هرم السلطة:" ماذا أتى بك؟ هل أنت مجنون؟"
إذا كانت هذه ردة فعل المحكوم الضعيف لأنه يبخل أن يُقاسم غُبنه السياسي و حظه من غياب العدالة الإجتماعية مع من ظنه قد نجا فكيف نفسر تصرف المسؤول الذي أضعف إيمانه أن يستقبلك بالريبة و الإنكار لفعلتك! و إلا فإنه يرى فيك خطراً و منافساً على المنصب و حامل جرثوم البحث عن الطريقة المثلى في التسيير....
هل هدف الحكومات لدينا - و إن صلُحت - توفير القوت للعامة أم التخطيط و التنفيذ لبناء أمة تستحق مكانة في الصف الأول؟ سؤالٌ أتعبني فقررت أن أضع قلمي ليستريح.