عندما ركن حقيبته في زواية الغرفة، كان يتطلع
الى الغياب، الى البرود، الى اللاحياة.
غرفة صغيرة، مهترئة الاثاث، النافذة حديدية، يتسرب منها الضوء، أسلاك الكهرباء تبدو ظاهرة على الجدارن، لا يبدو هناك شيئا ما، تخفيه هذه الغرفة.
الا انها غير مسكونة، لا احد يرافقها، او يعتني بها، أتى هو يلوذ بها ، يفر اليها ولا يعلم هي لمن!؟ وما قصتها؟ ولماذا تم هجرها.
أتى اليها وهو لاجئ، او هارب ، او ناجي بحياته،
اَي حياة؟ اَي حياة تلك التي خلفها وراءه؟
كان يتسائل ؟ اهو نجى من الموت ام ان الموت استقبله من الجهه الاخرى؟
لا يعلم كم بقي من أفراد أسرته؟ وكم رحل منهم؟
وكيف رحلوا ؟
وكيف هو قرر النجاة؟
كان هو غسان ، فتى الثالثة و العشرين، العمر الذي احب ان أبقى فيه، كنت قد واجهته بعد ان سكن هذه الغرفة بإيام، واجهته بالصدفه ولكنني لم اتحدث اليه ولَم يتحدث إليّ حتماً.
وربما انني تعمدت الصد عنه وعدم الاحتكاك به، حينما اوحى إليّ مظهره انه شرقي، وربما عربي تحديداً.
لا اعلم عن هؤلاء القوم شيء، الا ان منطقتهم ملئيه بالحروب ، والعنف ، والاحتلال.
ولا اهتم ان اعرف عنهم.
لكن جاري الجديد الذي شدني منذُ اول وهله، جعلني أفكر في البحث عنهم، وكم من السهل ان تبحث عن امر تريده اليوم، لكن ان تتحقق بنفسك من الامر هذا ما يبدو صعباً.
منذُ ان رأيته المره الاولى ، لم أراه منذ أسبوعين لأنني لم اراقبه ، ولَم أراه حينما اخرج أحياناً، هو ايضاً ربما لا يخرج.
..
لكنني لم احفل بهبعد ذلك، ولَم اعره اَي انتباه، وربما روادني الخوف منه، لكنني طردت وساوسي هذه وتجاهلتها.
في احد الصباحات وعند الساعة التاسعة، طرق احدهم بابي، منذ زمن لم يطُرق الباب، ولست معتاده على إستقبال احد.
كان ذاك هو غسان، وقفت لبرهه لم انطق بشيء، ولَم أتحرك، لكنهُ بادرني بالحديث وقال، ايوجد لديك طعام، منذ ايّام لم آكلّ!
تملكني الصمت، ثم أجبته، لدي لدي، سأتي لك منه.
وضعت في احد الاطباق بعض من الفطور الذي كُنت أعده، وبعض من الفاكهه، و عبوة ماء، و ذهبت بها اليه، اخذها وقال لا حاجة لي بالفاكهة فأنا لا احبها، قلت خذها ربما ستحتاجها لكنه رفض وذهب.
تمنيت انني دعوته للفطور فأنا وحدي هنا، و أودّ لو شاركني و اخبرني بقصته ومن هو؟
في اليوم التالي ذهبت له قبل ان يحين الغروب، رغم اننني توجست، الأ انني قلت لنفسي سخطو خطوات قريبه من تلك الغرفة ربما أراه و اتحدث معه، خطوت عدة خطوات، وتعمدت ان أحدث صوت بخطواتي، لكن، لم يكن أحد هناك، قلت لنفسي، سوف أتخطى هذه الغرفة و اعود من جانبها بعد مضي وقتاً من الزمن لربما صادفته، وكان هذا ما حدث، بعد مروري للمرة الثانيه وجدته متكئ في ظل الغرفة، يتأمل، يفكر ، يبكي، لا اعلم.
تعمدت احداث صوت مرة اخرى، اوه لقد انتبه لي، بادرته بالتحيه ورد علي، سألته عن من هو؟ ومن اين أتى؟ .. لم يرد في البدايه ان يتحدث، و سكت لبعض الوقت، ثم قال ان من المنطقة العربيه، تحديداً سوريا، حيث هناك تقع حربٌ اهليه، هرب هو منها.
قلت له هل انت هنا قانوني؟ اعني وجودك هنا
غير قانوني، أجابني انه اوراقه قانونيه لكن دخوله هنا غير قانوني، صمتنا للحظه وبادرته، ان
لا يخاف هنا، لأن لا أحد غيري هنا، و في القرية التي بجانبنا هناك ناسٌ جيدون وهم متعاونين دائماً، وهنا انا سأساعدك فيما تحتاجه،
و استأذنته بالانصراف.