💥💎 فوائد منتقاة من بحث( صناعة التفكير اللغوي) ل ش وائل؛ أبي مالك العوضي:

2⃣ كلام في أهلية الاستدلال اللغوي:

💦وفي هذا العصر صار الوقوف على الأدلة والمصادر والمراجع من أسهل ما يكون، فاستوى في ذلك -أو كاد- العالم والجاهل، والمتبحر والمبتدئ، ومع ذلك ترى الفرق شاسعا بين بحث هذا وذاك، وبين اجتهاد هذا وذاك؛ لأن الإشكال ليس فقط في توفر الأدوات، وإنما في المقدرة على استعمالها استعمالا صحيحا.

💥وهذا تراه واضحا غاية الوضوح في كتب المعاصرين، إذ تجد فيها استقصاء بالغا في المصادر والمراجع، واستفادة مما كتب في الموضوع قديما وحديثا، إلا أنك قد تجده مع ذلك مليئا بالخلط والسهو، ومشحونا بالزلل وسوء الفهم، وليس الإشكال في ضعف العقل؛ وإنما في خصوص الأهلية والخبرة بهذا الموضوع، فليس كل من وجد فرسا كان فارسا، ولا كل من وجد قلما كان أديبا.

📘✏️وتظهر أهمية هذه الأهلية والخبرة عند النقل من الكتب الكبار والمراجع المتقدمة، فإن الناقل إذا لم يكن عنده خبرةٌ بكلام صاحب الكتاب، تراه يجيء إلى سطر ما من صفحة ما في عُرض الكتاب، فينقلها مستدلا بها على ما يريد، ولعل صاحب الكتاب يقصد ضد ما قال، وأما من كان عنده ألفة بالكتاب، وقد قرأه كاملا أو على الأقل قرأ فيه كثيرا بحيث يتمكن من ملاحظة القرائن المحدِّدة لمراد المؤلف، فإنه يستطيع أن يستدل على ما يريد بسهولة، فيضع القول موضعَه، ويحسن اختيار ما يفيده في بحثه.

👈🏼👈🏼وإنما ركزت على أهمية الأهلية ولزومها لمن أراد سلوك تلك المسالك؛ لأن كثيرا من الناس يرى الأمر غاية في السهولة واليسر، ويرى أننا نبالغ في أشياء لا تستحق، وأن الاجتهاد لا يحتاج إلى مثل هذه الصعوبات، إذ لا يحتاج الأمرُ عنده إلا إلى النظر في الأدلة والنصوص والنقول، ثم يسهل على كل عاقل الخروج بالنتيجة.

📂🔵ولا شك أن هذا نظر واضح القصور، ولو أردنا أن نضرب على ذلك ألوف الأمثلة لأمكن، ومن أقوى الأدلة على ذلك:

1⃣أنك تجد الواحدَ من هؤلاء يجتهد في مسائل يراها غاية في الوضوح والسهولة، ثم بعد عشر سنوات أو أكثر يغير رأيه فيها، ويعرف أنه كان متسرعا، وأن الأمر ليس كما كان يظن.

2⃣ويدل على ذلك أيضا ما يجده الإنسان من نفسه عندما يتكلم في موضوع وقد بنى كلامه على نقول عابرة وعبارات مقتطعة، ثم يتكلم في الموضوع نفسه وقد بنى كلامه على دراسة متكاملة لأبواب العلم ولو باختصار، فالثاني ترى لديه رؤية شاملة متوازنة تتضح فيها الخطوط العريضة التي تحدد منهجه في التفكير والبحث، أما الأول فقد ينطلق كالجواد الجامح الذي يكون له أوابد كأوابد الوحش، فيحتاج إلى سهم يثبته في مكانه.