هل تمكن الأمريكان من طلوع القمر أم لا؟ جدل يطفو على السطح لدينا وفي الغرب أيضًا كلما مرت ذكرى ذلك الحدث التاريخي أو كلما أعلنت إحدى الدول المنضمة حديثًا إلى النادي الفضائي عن استهدافها إنزال إنسان على سطح القمر، أو كلما دار حديث حول تفوق الغرب وأمريكا بالذات في مجال الفضاء .. هذا الجدل والأدلة التي يتداولها الناس في الأوساط الغربية - كعادتهم في الاختلاف - لاتعيق مسيرتهم بل هي من آليات النقد الذاتي والتصحيح المستمر التي لا يستغنون عنها .. فهم أثناء انشغال بعضهم بالجدال والتشكيك حول الهبوط على سطح القمر نجد أن الأكثرية منشغلون بما هو أهم من ذلك مثل متابعة المسبارات الفضائية التي تجاوزت القمر إلى عوالم أبعد وأرحب وباستقبال وتحليل صور الكواكب والنجوم والمجرات التي ترسلها تلك المسبارات والتي غالبًا مايستفيد منها بعض علمائنا المهتمين بجانب الإعجاز العلمي للقرآن دون أن نتساءل هل هي صور حقيقية أم مفبركة .. بل إن بعضنا ذهب أكثر من ذلك وقال أن رائد الفضاء نيل آرمسترونج الذي كان أول إنسان تطأ قدماه سطح القمر قد سمع صوت الأذان من هنا وفي نفس الوقت نشكك أحيانًا في هبوطه تماشيًا مع جو التشكيك !! ..

 وأنى لتلك المسبارات والمركبات أن تنجح في مهامها ابتداءًا بإطلاقها وتوجيهها بوضعها في مساراتها أو بدفعها إلى مسارات بعيدة عن كوكبنا وإرسال واستقبال الإشارات للتحكم في مناوراتها حول الأجرام السماوية دون أن يكون لذلك ارتباط بشكل مباشر أو غير مباشر بالخبرة والتقنيات المكتسبة من مهمة الصعود إلى القمر .. وتلك تقنيات اكتسبت تراكميًا من خلال تحقيق الأهداف المرحلية الوطنية التي قامت ناسا بإنجازها ولم تكن شيئًا يحدث فجأة ودون أي مقدمات فإما أن يكون أو لايكون .. بل إن النجاح في المجال التقني يكون في أغلب الأحيان بينه وبين الإخفاق شعرة .. فقد تنجح كل مراحل الدورة التكنولوجية ماعدا المرحلة الأخيرة فهل هذا يعد إخفاقًا؟  على العكس فإن هذا يعني أن مابقي هو قليل من التحديات التي يجب تجاوزها للوصول إلى النجاح الكامل. علمًا بأن ناسا لم تعلن فقط عن نجاحاتها بل دأبت دومًا على توضيح إخفاقاتها فيها وهي عديدة.حتى وإن اعتقد بعضهم أو اعتقدنا أنهم لم يفعلوها ويهبطوا على سطح القمر فإن ماحدث ولايزال يحدث بعد ذلك من منجزات يجعل من صرف الوقت في هذه المواضيع نوعًا من الحديث الذي لاطائل منه وخصوصًا من قبلنا نحن الذين لم يكن لهم ناقة ولا جمل في الموضوع من أساسه.

إن مواقفنا في العموم تتراوح بين التصديق المغالي والرفض القاطع وهذه منهجية تجعل تعاملنا مع مايتحقق في العالم حولنا من منجزات مثيرًا للشفقة .. فكيف بنا نريد تأسيس اقتصاد معرفي مبني على الاكتشاف والاختراع يتطلب تفاعلًا مع منجزات العلم والتقنية معها بطريقة منهجية واعية كي تؤتي ثمارها في التطوير والبناء، وذلك يستدعي أن ننشغل بالأخذ بالأسباب والكيفيات المتمثلة بالرغبة الصادقة في البحث عن الحقيقة و تنمية الاهتمامات الراقية والعمل الجاد المثمر مما قد يمكننا من الوصول إلى القمر وماهو أبعد منه وماذلك على الله ببعيد .. أليس لنا حق في أن نتطلع أو حتى نحلم بتحقيق ذلك في يوم من الأيام بدل أن نفني أعمارنا في سالفة  "طلعوا .. ماطلعوا .. "