لاغرو في ان الحداثة اصبحت من بين اهم المفاهيم شيوعا واستفحالا في اوراق كتب الفكر العربية،ذلك لانها خلقت جدلا كبيرا ونزاعا ذبالا بين اطراف اجتماعية عديدة بالمجتمع العربي. لذا فهذا المقال هو ثمرة من ثمار هذا المعمعان المفاهيمي الحاد،والذي سنحاول فيه قدر الامكان الاجابة عن سؤال الحداثة والتضلع في طياتها حتى يتجلى لنا الغث من السمين وتسهل لدينا الاجابة عن سؤال اين وصل العرب في مشروع الحداثة؟

لكن وقبل الاجابة عن هذا السؤال قد يبدو من العيب ان نمضي قدما دون التعرض لكلمة الحداثة في بعدها اللغوي والاصطلاحي. فالحداثة عزيزي القارىء لا تغذوا ان تتجاوز في شقها اللغوي تلك الكلمة التي اشتقت من مصدر الحدث ويعنى بها نقيض القديم .

والحداثة في حقيقة الامر مصطلح يبرز بقوة في المجال الثقافي والفكري والتاريخي ،ويدل على مرحلة التطور التي طبعت اوروبا بشكل خاص في مرحلة العصر الحديث بمحطاته التنويرية المتعددة.ويرى البعض ان منبع الحداثة الاساس يتعدى حدود مرحلة التنوير الى ابعد ذلك في حين يكتفي البعض الاخر باقرانها في هذا الحيز الزمكاني المحدود.

ومن المؤكد ان مفهوم الحداثة فرض نفسه بشكل جلي بالوسط الفكري العالمي؛بحيث ان كبار الفلاسفة تعرضوا لهذا المصطلح تعرضا تحليليا دقيقا.فهذا كانط يعرفها قاءلا:”الحداثة هي خروج الانسان من حالة الوصايا التي تسبب فيها بنفسه والتي تمثل عجزه من استخدام فكره دون توجيه من غيره” وهذا تعريف دقيق لكلمة الحداثة ،وهو مازكاه ايضا الفيلسوف الشهير هيغل حينما ربط هو الاخر مفهوم الحداثة بالتطورات الفكرية التي طحت على سطح الواجهة الاروبية.

وعلى هذا الاساس،يمكننا القول بان الحداثة (modernity) انما هي منهج فكري شمولي عميق له ارتباط باحداث تاريخية.وهنا بامكاننا ان نجزم ان الحداثة انما هي وليدة مناخ ووسط فكري اروبي غربي محظ. ومن هذا المنطلق سنتساءل حول ماهية العلاقة التي تربط الحداثة بالعرب؟

للاجابة عن هذا السؤال لابد لنا من ادراك كيفية انتقال هذا المصطلح من الحقل المعرفي الغربي الى نظيره العربي. وواقع الحال يقول بان اشعاع مفهوم الحداثة سطع بعالمنا العربي في فترة مابعد الاستعمار،وان كانت ارهاصاته الاولى تتعدى الحقبة الكولونيالية الا ان التنظير الحقيقي لانخراط العرب في مشروع الحداثة لايصح الا بعد حصول دولها على الاستقلال السياسي من نير الاستعمار الغاشم الذي الم بها.

لقد اهتم العرب منذ الاستقلال بالحداثة و حاولوا قدر الامكان الانخراط في مسلسلها ومشروعها بشكل جدي. يظهر ذلك من خلال جملة المشاريع التنظيرية التي حملها مفكرين كبار ونذروا عمرهم لخدمتها.ولعل خير دليل على هذا الاهتمام هو ذالك الكم الكبير من الكتب التي تملا رفوف الخزانة العربية،والتي نصلت السهام لسبر اغوار الحداثة والتبحر في مميزاتها وخصوصياتها.

و الحديث عن هذا الاهتمام يجرنا بطبيعة الحال للوقوف عن اهم الرواد الذين حملو مشعل بذر قيم الحداثة بالمجتمع العربي. ونذكر منهم هنا ادونيس والجابري ومحمد اركون وعبد الله العروي اضافة الى المفكر المصري فرج فودة و غيرهم من العقول المستنيرة التي بذلت جهودا كبيرة من اجل نقل العالم العربي الى هذا المشروع الحداثي الضخم.

وتجدر الاشارة الى ان هذه الجهوذ قد عرفت اعتراضا قويا من طرف التيار الاصولي المتشدد . والذي سخر جنوده للوقوف امام هذا المشروع الحداثي.بحجة الحفاظ على قيم المجتمع .لذا نجده يحرص اشد الحرص على التحذير من مخاطرها ومغباتها. من خلال رمي منظريها بالكفر والالحاد والزندقة.

ولامندوحة لنا هنا من التاكيد على ان الحداثة عند التيار الاصولي انما هي بمثابة معول هدام جاء ليقضي على اسس مجتمعية .فهي في منظورهم اشد خطرا وفتكا على قيم الدين.وهذا اسقاط خاطىء؛لان حتمية التعارض بين الحداثة والقيم والدين منعدمة.

في بعض الاحيان يجرنا حب الفضول الى التعامل بمرونة مع عقلية التيار الاصولي و محاولةفهم موقفه المعادي للحداثة وبالاخص لروادها بالعالم العربي. و هو الامر الذي سيجعلنا نرتدي لباس الحياد والقول بان بعض المنتسبين لدعاة الحداثة للاسف لم يستطيعوا ايصالها بطريقة سليمة تلاءم قيم المجتمعات العربية وتحافظ على هويتها.

نعم،اغلب الذين يروجون للفكر الحداثي هم اناس عرضيين سطحيين استعارو لفظ الحداثة من الوسط الغربي بطريقة تافهة . اهتموا بقشورها وسفاسفها وتركوا روح الحداثة وكنهها الذي بني على المرتكزات الثلاثة المشهورة:

1-فوقية العقل

2_احترام الفكر

3-حقوق الانسان

للاسف اصبحت الحداثة عند هؤولاء السطحيين مجرد فرقعات موسمية مناسباتية لدغدغة المشاعر وتسويق الاوهام. وهو ما يجعل التيار الاصولي يقف هذا الموقف العداء. وبالتالي استحالة الانخراط في هذا المشروع الحداثي العالمي.

نحتاج في عالمنا العربيالى وضع بصمتتا والانخراط في مشروع الحداثة العالمي بطريقة عقلانية صادقة ،دون المساس بالقيم الوطنية والدينية والعرفية. نريد ابداعات انهراطية صادقة بدون نقول او ترجمات عابرة.نريد تنزيل حقيقي يوازي قيم المجتمع ،بدل تسويق الحداثة كوهم تلوكه الالسن وتدبج به المقالات